﴿هو﴾ أي: لا غيره ﴿الذي خلقكم من تراب﴾ أي: بخلق أبيكم آدم عليه السلام منه، قال الرازي: وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطمث، والمني مخلوق من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات، والنبات إنما يكون من التراب والماء، فثبت أن كل إنسان متكون من التراب، ثم إن ذلك التراب يصير نطفة كما قال تعالى: ﴿ثم من نطفة﴾ أي: من مني ﴿ثم من علقة﴾ أي: دم غليظ متباعد حاله عن حال النطفة كما كان حال النطفة متباعداً عن حال التراب ﴿ثم﴾ بعد أن جرت شؤون أخرى ﴿يخرجكم﴾ أي: يجدد إخراجكم شيئاً بعد شيء ﴿طفلاً﴾ أي: أطفالاً والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم لا تملكون شيئاً ولا تعلمون شيئاً ﴿ثم﴾ يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طوراً بعد طور وحالاً بعد حال ﴿لتبلغوا أشدكم﴾ أي: تكامل قوتكم من الثلاثين سنة إلى الأربعين وعن الشعبي صغر الغلام لسبع سنين ويحتلم لأربع عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين وينتهي عقله لثمان وعشرين ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين ﴿ثم﴾ يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي السفول ﴿لتكونوا شيوخاً﴾ ضعفاء غرباء قد ماتت قوتكم ووهنت أركانكم، وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وحفص بضم الشين والباقون بكسرها ﴿ومنكم من يتوفى﴾ بقبض روحه ﴿من قبل﴾ أي: قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية أو قبل هذه الأحوال إذا خرج.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿لتبلغوا أشدكم﴾ متعلق قال الزمخشري: بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا أشدكم وكذلك لتكونوا وأما قوله: ﴿ولتبلغوا﴾ أي: كل واحد منكم ﴿أجلاً مسمى﴾ فمعناه ويفعل ذلك لتبلغوا أجلاً مسمى وهو وقت الموت وقيل: يوم القيامة ﴿ولعلكم تعقلون﴾ أي: ما في ذلك من العبر والحجج وتستدلون بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى.
(٩/٤٩٠)