﴿إذِ الأغلال في أعناقهم﴾ ظرف ليعلمون، فإن قيل: سوف للاستقبال وإذ للماضي فهو مثل قولك سوف أصوم أمس؟ أجيب: بأن المعنى على إذا إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعاً بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال قالوا وكما تقع إذا موقع إذ في قوله تعالى: ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها﴾ (الجمعة: ١١)
كذلك تقع إذ موقعها وقوله تعالى: ﴿والسلاسل﴾ عطف على الأغلال، فتكون في الأعناق، والسلسلة معروفة، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره في أرجلهم وخبره ﴿يسحبون﴾ والعائد محذوف أي: بها والسحب الجر بعنف، والسحاب من ذلك لأن الريح تجره أو أنه يجر الماء ﴿في الحميم﴾ أي: الماء الحار الذي يكسب الوجوه سواداً والأعراض عاراً والأرواح عذاباً والأجسام ناراً ﴿ثم في النار يسجرون﴾ أي: يلقون فيها وتوقد بهم مكردسين كما يسجر التنور بالحطب، كما قال تعالى: ﴿وقودها الناس والحجارة﴾ (البقرة: ٢٤)
والسجير الخليل الذي يسجر في مودة خليله، كقولهم: فلان يحترق في مودة فلان، هذه كيفية عقابهم.
﴿ثم قيل لهم﴾ تبكيتاً أي: بعد أن طال عذابهم وبلغ منهم كل مبلغ ولم يجدوا ناصراً يخلصهم ولا شافعاً يخصصهم ﴿أين﴾ وأكد التعبير عنهم بأداة ما لا يعقل في قوله تعالى: ﴿ما كنتم﴾ أي: دائماً ﴿تشركون﴾ ﴿من دون الله﴾ أي: معه وهي الأصنام ﴿قالوا ضلوا﴾ أي: غابوا ﴿عنا﴾ فلا نراهم كما ضللنا نحن في الدنيا عما ينفعنا وذلك قبل أن تقرن آلهتهم أو ضاعوا عنا فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم ﴿بل لم نكن ندعو﴾ أي: لم يكن ذلك في طباعنا ﴿من قبل﴾ أي: قبل هذه الإعادة ﴿شيئاً﴾ لنكون قد أشركنا به أنكروا عبادتهم إياها كقولهم في سورة الأنعام: ﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ (الأنعام: ٢٣)
(٩/٤٩٢)