تنبيه: معنى الآية أن الله تعالى قال لنبيه محمد ﷺ أنت كالرسل من قبلك وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين وليس منهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه وكذبوه فيها فصبروا وكانوا أبداً يقترحون على أنبيائهم عليهم السلام إظهار المعجزات الزائدة على الحاجة عناداً وعبثاً، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله تعالى والله سبحانه علم الصلاح في إظهار ما أظهروه دون غيره ولم يقدح ذلك في نبوتهم، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحاً لا جرم ما أظهرناها ﴿فإذا جاء أمر الله﴾ أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً بنزول العذاب على الكفار ﴿قُضِي﴾ أي: بأمره على أيسر وجه وأسهله بين الرسل ومكذبيهم ﴿بالحق﴾ الأمر الثابت ﴿وخسر هنالك﴾ أي: في ذلك الوقت العظيم ﴿المبطلون﴾ أي: المنسوبون إلى إيثار الباطل على الحق المعاندون الذين يجادلون في آيات الله، فيقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة تعنتاً وعبثاً، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر، وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية وأبدلاها أيضاً ألفاً، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين.
ولما ذكر الله تعالى الوعيد عاد إلى ذكر ما يدل على وجود الإله القادر الحكيم، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاماً على العباد فقال تعالى:
﴿الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿الذي جعل لكم﴾ أي: لا غيره ﴿الأنعام﴾ أي: الأزواج الثمانية بالتذلل والتسخير، وقال الزجاج: الأنعام الإبل خاصة ﴿لتركبوا منها﴾ وهي الإبل مع قوتها ونفرتها وقد تركب البقر أيضاً ﴿ومنها﴾ أي: من الأنعام كلها ﴿تأكلون﴾ ولما كان التصرف فيها غير منضبط أجمله بقوله تعالى:
(٩/٤٩٧)