﴿ولكم فيها﴾ أي: كلها ﴿منافع﴾ أي: كثيرة بغير ذلك من الدر والوبر والصوف وغيرها ﴿ولتبلغوا عليها﴾ وهي في غاية الذل والطواعية ونبههم على نقصهم وعظم نعمته عليهم بقوله تعالى: ﴿حاجة﴾ أي: جنس الحاجة، وقوله تعالى: ﴿في صدوركم﴾ إشارة إلى أن حاجة واحدة ضاقت عنها قلوب الجميع حتى فاضت منها فملأت مساكنها ﴿وعليها﴾ أي: الإبل في البر ﴿وعلى الفلك﴾ أي: في البحر ﴿تحملون﴾ أي: تحملون أمتعتكم الثقيلة من مكان إلى مكان آخر وأما حمل الإنسان نفسه فقد مر بالركوب، فإن قيل: لِمَ لم يقل وفي الفلك كما قال تعالى في سورة هود: ﴿قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين﴾ (هود: ٤٠)
أجيب: بأن كلمة على للاستعلاء فالشيء الذي يوضع على الفلك كما صح أن يقال وضع فيه صح أن يقال وضع عليه، ولما صح الوجهان كانت لفظة على أولى حتى تتم المزاوجة في قوله تعالى ﴿وعليها وعلى الفلك تحملون﴾ (المؤمنون: ٢٢)
وقال بعضهم: أن لفظ فيها هناك أليق لأن سفينة نوح عليه السلام كما قيل مسبقة عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح لأن الناس على ظهرها.
ولما كانت هذه آية عظيمة جعلها الله سبحانه وتعالى مشتملة على آيات كثيرة قال تعالى:
﴿ويريكم﴾ أي: في كل لحظة ﴿آياته﴾ أي: دلائل قدرته ﴿فأي آيات الله﴾ أي: المحيط بصفات الكمال الدالة على وحدانيته ﴿تنكرون﴾ حتى تتوجه لكم المجادلة في آياته وهذا استفهام توبيخ.
تنبيه: أي: منصوب بتنكرون وقدم وجوباً لأن له صدر الكلام وتذكيره أشهر من تأنيثه، قال الزمخشري: وقولك فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهو في أي: أغرب لإبهامه، قال أبو حيان: ومن قلة تأنيث أي: قول الشاعر:

*بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عاراً علي وتحسب*
(٩/٤٩٨)


الصفحة التالية
Icon