ثم إن الله تعالى أحدث في ذلك الماء اضطراباً فأزبد وارتفع فخرج منه دخان فأما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق منه اليبوسة وأحدث منه الأرض وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات، فإن قيل: هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل السموات وقوله تعالى: ﴿والأرض بعد ذلك دحاها﴾ (النازعات: ٣٠)
مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق السموات وذلك يوجب التناقض؟.
أجيب: بأن المشهور أنه تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق بعدها السموات ثم بعد خلق السماء دحا الأرض ومدها حينئذ فلا تناقض، قال الرازي: وهذا الجواب مشكل لأن الله تعالى خلق الأرض في يومين، ثم إنه في اليوم الثالث جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وهذه الأحوال لا يمكن إدخالها في الوجود إلا بعد أن صارت الأرض منبسطة، ثم إنه تعالى قال بعد ذلك ثم استوى إلى السماء فهذا يقتضي أن الله تعالى خلق السماء بعد خلق الأرض وبعد أن جعلها مدحوة وحينئذ يعود السؤال ثم قال: والمختار عندي أن يقال: خلق السماء مقدم على خلق الأرض وتأويل الآية أن يقال الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد والدليل عليه قوله تعالى: ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾ (آل عمران: ٥٩)
(١٠/١٦)


الصفحة التالية
Icon