فلو كان الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين لصار تقدير الآية أوجده من تراب ثم قال له كن فيكون وهذا محال، فثبت أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين بل عبارة عن التقدير، والتقدير في حق الله تعالى هو: كلمته بأن سيوجده، وإذا ثبت هذا فنقول قوله تعالى: ﴿خلق الأرض في يومين﴾: معناه: أنه قضى بحدوثها في يومين وقضاء الله تعالى أنه سيحدث كذا في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشيء في الحال فقضاء الله تعالى بحدوث الأرض في يومين قد تقدم على إحداث السماء حينئذ يزول السؤال. ﴿فقال لها﴾ أي: السماء عقب الاستواء ﴿وللأرض ائتيا﴾ أي: تعاليا وأقبلا منقادتين وقوله تعالى: ﴿طوعاً أو كرهاً﴾ مصدران في موضع الحال أي: طائعتين أو كارهتين ﴿قالتا أتينا﴾ أي: نحن وما فينا وما بيننا ﴿طائعين﴾ أي: أتينا على الطوع لا على الكره، والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيئاً من الخطاب والجواب، ونحو ذلك قول القائل: قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد سل من يدقني، فإن قيل: هلا قال طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنهما سموات وأرضون؟ أجيب: بأنه لما جعلهن مخاطبات ومجيبات ووصفهن بالطوع والكره قال: طائعين في موضع طائعات نحو قوله ساجدين.
تنبيه: جمع الأمر لهما في الإخبار لا يدل على جمعه في الزمان بل قد يكون القول لهما متعاقباً، فإن قيل: إن الله تعالى أمر السماء والأرض فأطاعتا كما أن الله تعالى أنطق الجبال مع داود عليه السلام فقال تعالى: ﴿يا جبال أوّبي معه والطير﴾ (سبأ: ١٠)
وأنطق الأيدي والأرجل فقال تعالى: ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾ (النور: ٢٤)
وقوله تعالى: ﴿وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء﴾ (فصلت: ٢١)
وإذا كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله تعالى في ذات السموات والأرض حياة وعقلاً ثم يوجه الأمر والتكليف عليهما؟.
(١٠/١٧)


الصفحة التالية
Icon