ولما كان المتمادي على إعراضه كأنه جدد إعراضاً غير إعراضه الأول قال تعالى مفصلاً بعد قوله تعالى ﴿فأعرض أكثرهم﴾:
﴿فإن أعرضوا﴾ أي: استمروا على إعراضهم بعد هذا الشأن أو أعرض غيرهم عن قبول ما جئتهم به من الذكر بعد هذا البيان الواضح في هذه الآيات التي دلت على الوحدانية والعلم والقدرة وغيرها من صفات الكمال أتم دلالة ﴿فقل﴾ أي: لهم ﴿أنذرتكم صاعقة﴾ أي: فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة ﴿مثل صاعقة عاد وثمود﴾ وقال المبرد: الصاعقة المرة المهلكة لأي شيء كان والإنذار التخويف، وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشاً كانوا يمرون على بلادهم.
ثم علل إيقاع ذلك بقوله تعالى: ﴿إذ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً لصاعقة وظرفيته لا تنافي عليته أي: حين ﴿جاءتهم﴾ أي: عاداً أو ثمود ﴿الرسل﴾ لأن الزمان الطويل يجوز نسبة ما وقع في جزء منه إليه ﴿من بين أيديهم﴾ أي: من قبلهم لأن نذير الأول نذير لكل من أتى بعده بأنه إن واقع ما واقعه أتاه ما عذب به ﴿ومن خلفهم﴾ وهم من أتى إليهم لأنهم لم يكونوا يعلمون إتيانهم فالخلف كناية عن الخفاء والقدام عن الجلاء وأنهم أتوهم من كل جانب واجتهدوا بهم فاعملوا فيهم كل حيلة فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض.
كما حكى الله تعالى عن الشيطان ﴿لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم﴾ (الأعراف: ١٧)
أي: لآتينهم من كل جهة، عن الحسن: أنذروهم من وقائع الله تعالى فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاؤوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم، وأتوهم مقبلين عليهم ومدبرين عنهم، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم وأدغمها الباقون. ،
(١٠/٢٢)