روي عن ابن مسعود قال: «كنت مستتراً بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر، ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول فقال الآخر: يسمع إن جهرنا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا يسمع إذا أخفينا فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى ﴿وما كنتم تستترون﴾ الآية قيل: الثقفي عبد يا ليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية وقوله تعالى:
﴿وذلكم﴾ إشارة إلى ظنهم هذا وهو مبتدأ وقوله تعالى: ﴿ظنكم﴾ بدل منه، وقوله تعالى: ﴿الذي ظننتم بربكم﴾ نعت البدل والخبر ﴿أرداكم﴾ أي: أهلككم، وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزول عن ذهنه أن عليه من الله تعالى عيناً كالئة ورقيباً مهيمناً حتى يكون في أوقاته وخلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاماً وأوفر تحفظاً وتصوراً منه مع الملأ، ولا ينبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين.
ولما كان الصباح محل رجاء للإفراج فكان شر الإتراح ما كان فيه، قال تعالى ﴿فأصبحتم﴾ أي: بسبب ما أعطيتموه من النعم لتستنقذوا أنفسكم به من الهلاك، كان سبب هلاككم ﴿من الخاسرين﴾ أي: العريقين في الخسارة المحكوم بخسارتهم في جميع ذلك اليوم.
قال المحققون: الظن قسمان أحدهما: حسن، والآخر: فاسد، فالحسن، أن يظن بالله تعالى الرحمة والفضل والإحسان قال ﷺ عن الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي». وقال ﷺ «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله».
والظن الفاسد أن يظن أن الله تعالى يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال. وقال قتادة: الظن نوعان: منجي ومردي، فالمنجي: قوله: ﴿إني ظننت أني ملاق حسابيه﴾ (الحاقة: ٢٠)
وقوله تعالى: ﴿الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون﴾ (البقرة: ٤٦)
والمردي: هو قوله تعالى: ﴿وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم﴾.
(١٠/٣١)