﴿وقال الذين كفروا﴾ أصله وقالوا أي: المعرضون، ولكنه قال ذلك تنبيهاً على الوصف الذي أوجب إعراضهم ﴿لا تسمعوا﴾ أي: شيئاً من مطلق السماع ﴿لهذا القرآن﴾ وعينوه بالإشارة احترازاً عن غيره من الكتب القديمة كالتوراة، قال القشيري: لأنه مقلب القلوب وكل من استمع له صبا إليه ﴿والغوا﴾ أي: اهزؤوا ﴿فيه﴾ أي: اجعلوه ظرفاً للغو بأن تكثروا من الخرافات والهذيانات واللغط واللغو والتصدية أي: التصفير والتصفيق وغيرها، وقال ابن عباس: كان بعضهم يعني قريشاً يعلم بعضاً إذا رأيتم محمداً يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر، واللغو: هو من باب لغي بالكسر يلغى بالفتح إذا تكلم بما لا فائدة فيه ﴿لعلكم تغلبون﴾ أي: ليكون حالكم حال من يرجى له أن يغلب ويظفر بمراده في أن لا يميل إليه أحد وسكت ونسي ما كان يقول، وهذا يدل على أنهم عارفون بأن من يسمعه مال إليه وأقبل بكليته عليه وقد فضحوا أنفسهم بهذا فضيحة لا مثل لها.
﴿فلنذيقن الذين كفروا﴾ أظهر في موضع الإضمار إذ أصله فلنذيقنهم، لكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف ﴿عذاباً شديداً﴾ في الدنيا بالحرمان وما يتبعه من فنون الهوان، وفي الآخرة بالنيران ﴿ولنجزينهم﴾ أي: بأعمالهم ﴿أسوأ﴾ أي: سوء العمل ﴿الذي كانوا يعملون﴾ أي: مواظبين عليه.
﴿ذلك﴾ أي: الجزاء الأسوأ العظيم جداً ﴿جزاء أعداء الله﴾ أي: الملك الأعظم، ثم بينه بقوله تعالى: ﴿النار﴾ وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة الثانية المفتوحة واواً خالصة، والباقون بتحقيقهما، وأما الابتداء بالثانية فالجميع بالتحقيق، ثم فصّل بعض ما في النار بقوله تعالى: ﴿لهم فيها﴾ أي: النار ﴿دار الخلد﴾ أي: فإنها دار إقامة، قال الزمخشري: فإن قلت ما معنى قوله: ﴿لهم فيها دار الخلد﴾ قال: قلت: إن النار في نفسها دار الخلد كقوله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ (الأحزاب: ٢١)
أي: الرسول هو نفس الأسوة.
(١٠/٣٤)


الصفحة التالية
Icon