ولما كان من وحُوسب عُذِّب فلا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى، أشار إلى ذلك بقوله تعالى: ﴿من﴾ أي: كائن ذلك النزل من ﴿غفور﴾ له صفة المحو للذنوب عيناً وأثراً على غاية لا يمكن وصفها ﴿رحيم﴾ أي: بالغ الرحمة وهو الله تعالى، واختلف في تفسير قوله تعالى:
﴿ومن أحسن قولاً﴾ أي: من جهة القول ﴿ممن دعا إلى الله﴾ أي: الذي عم بصفات كماله جميع الخلق، فقال ابن سيرين والسدي: هو رسول الله ﷺ دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقال الحسن: هو المؤمن الذي أجاب الله تعالى دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ﴿وعمل﴾ أي: والحال أنه قد عمل ﴿صالحاً﴾ في نفسه ليكون ذلك أمكن لدعائه ﴿وقال إنني من المسلمين﴾ تفاخراً به وقطعاً لطمع المفسدين، وقال عكرمة: هم المؤذنون، وقالت عائشة رضي الله عنها: إن هذه الآيات نزلت في المؤذنين، وقال أبو أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه: وعمل صالحاً صلى ركعتين بين الأذان والإقامة، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ بين كل أذانين صلاة ثلاث مرات ثم قال في الثالثة لمن شاء، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد.
﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة﴾ أي: الصبر والغضب والحلم والجهل والعفو والإساءة في الجزاء وحسن العاقبة.
تنبيه: في لا الثانية وجهان: أحدهما: أنها زائدة للتأكيد كقوله تعالى: ﴿ولا الظل ولا الحرور﴾ (فاطر: ٢١)
لأن الاستواء لا يكتفي بواحد، الثاني: أنها مؤسسة غير مؤكدة، إذ المراد بالحسنة والسيئة الجنس، إذ لا تستوي الحسنات في أنفسها فإنها متفاوتة ولا تستوي السيئات أيضاً فرب واحدة أعظم من أخرى وهو مأخوذ من كلام الزمخشري ﴿ادفع﴾ كل ما يمكن أن يضرك من نفسك ومن الناس ﴿بالتي﴾ أي: بالخصال والأحوال التي ﴿هي أحسن﴾ على قدر الإمكان من الأعمال الصالحات والعفو عن المسيء حسن والإحسان إليه أحسن منه.
(١٠/٤٠)


الصفحة التالية
Icon