ولما ثبت أنه تعالى المنفرد بالخلق قال سبحانه: ﴿لا تسجدوا للشمس﴾ التي هي من أعظم أوثانكم وأعاد النافي تأكيداً فقال: ﴿ولا للقمر﴾ فإنهما دالان على وجود الإله مخلوقان مسخران فلا ينبغي السجود لهما لأن السجود عبارة عن نهاية التعظيم وهو لا يليق إلا بالذي أوجدهما من العدم كما قال تعالى: ﴿واسجدوا لله﴾ (فصلت: ٣٧)
أي: الذي له كل كمال من غير شائبة نقص.
واختلف في عود الضمير في قوله تعالى: ﴿الذي خلقهن﴾ على أوجه؛ أولاها: عوده للآيات الأربع كما جرى عليه الجلال المحلي، وقيل: يرجع لليل والنهار والشمس والقمر، قال الزمخشري: لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى والإناث، يقال: الأقلام بريتها وبريتهن، وناقشه أبو حيان من حيث أنه لم يفرق بين جمع القلة والكثرة في ذلك لأن الأفصح في جمع القلة أن يعامل معاملة الإناث وفي جمع الكثرة أن يعامل معاملة الأنثى، والأفصح أن يقال: الأجذاع كسرتهن والجذوع كسرتها، وأجاب بعضهم: بأن الزمخشري ليس في مقام بيان الفصيح من الأفصح بل في مقام كيف يجيء الضمير ضمير إناث بعد تقدم ثلاثة أشياء مذكرات وواحد مؤنث والقاعدة تغليب المذكر على المؤنت، وقال البغوي: إنما قال خلقهن بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ولم يجر على طريق التغليب للمذكر على المؤنت.
ولما ظهر أن الكل عبيده وكان السيد لا يرضى بإشراك عبده عبداً آخر في عبادة سيده قال تعالى: ﴿إن كنتم إياه﴾ أي: خاصة بغاية الرسوخ ﴿تعبدون﴾ كما هو صريح قولكم في الدعاء في وقت الشدائد لا سيما في البحر، وفي الآية إشارة إلى الحث على صيانة الآدميين على أن يقع منهم سجود لغيره رفعاً لمقامهم عن أن يكونوا ساجدين لمخلوق بعد أن كانوا مسجوداً لهم، فإنه تعالى أمر الملائكة عليهم السلام الذين هم من أشرف خلقه بالسجود لآدم عليه السلام وهم في ظهره فتكبر إبليس فأبَّد لعنته إلى يوم القيامة.
(١٠/٤٢)