الآية كأنه تعالى يقول هذا الكلام أرسلته إليكم بلغتكم لا بلغة أجنبية عنكم، فلا يمكنكم أن تقولوا قلوبنا في أكنة منه بسبب جهلنا هذه اللغة فكل من أعطاه الله تعالى طبعاً مائلاً إلى الحق وقلباً داعياً إلى الصدق فإن هذا القرآن يكون في حقه هدى وشفاء، وأما من غرق في بحر الخذلان وشغف بمتابعة الشيطان فهو في ظلمة وعمى كما قال تعالى: ﴿والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر﴾ أي: ثقل فلا يسمعون سماعاً ينفعهم ﴿وهو عليهم عمى﴾ فلا يبصرون الداعي حق الإبصار، ثم قال الرازي: وكل من أنصف علم أن التفسير على هذا الوجه الذي ذكرناه أولى مما ذكروه، أي: أنه متعلق بما قبله لأن السورة تصير بذلك من أولها إلى آخرها كلاماً واحداً منتظماً مسوقاً لغرض واحد انتهى.
ولما بين بهذا بعدهم عن عليائه وطردهم عن فنائه قال تعالى:
﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء مثالهم مثال من ﴿ينادون﴾ أي: يناديهم من يريد نداءهم غير الله تعالى ﴿من مكان بعيد﴾ أي: هم كالمنادي من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به.
﴿ولقد آتينا﴾ أي: على ما لنا من العظمة ﴿موسى الكتاب﴾ أي: التوراة ﴿فاختلف﴾ أي: وقع الاختلاف ﴿فيه﴾ وجه تعلقه بما قبله كأنه قيل: إنا لما آتينا موسى الكتاب فقبله بعضهم وهم أصحاب الهدى ورده بعضهم، فكذلك آتيناك الكتاب فقبله بعضهم وهم أصحابك ورده آخرون وهم الذين يقولون قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ﴿ولولا كلمة﴾ أي: إرادة ﴿سبقت﴾ في الأزل ﴿من ربك﴾ أي: المحسن إليك بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة ﴿لقضي بينهم﴾ أي: في الدنيا فيما اختلفوا فيه من إنصاف المظلوم من ظالمه قال تعالى: ﴿بل الساعة موعدهم﴾ (القمر: ٤٦)
﴿ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى﴾ (فاطر: ٤٥)
﴿وإنهم لفي شك﴾ أي: المكذبين محيط بهم ﴿منه﴾ أي: القضاء يوم الفصل ﴿مريب﴾ أي: موقع في الريب وهو التهمة والاضطراب بحيث لا يقدرون على التخلص من دائرته أصلاً. ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم