ولما كان العلو مستلزماً للقدرة قال تعالى: ﴿وهو العلي﴾ على كل شيء علو رتبة وعظمة ومكانة لا علو مكان وملابسة ﴿العظيم﴾ بالقدرة والقهر والاستعلاء وقوله تعالى:
﴿تكاد السموات﴾ قرأه نافع والكسائي بالياء التحتية، والباقون بالفوقية وقوله تعالى ﴿يتفطرن﴾ أي: يشققن قرأه شعبة وأبو عمرو بعد الياء بنون ساكنة وكسر الطاء مخففة، والباقون بعد الياء بتاء فوقية مفتوحة وفتح الطاء مشددة وقوله تعالى: ﴿من فوقهن﴾ في ضميره ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه عائد على السموات أي: كل واحدة منهن تنفطر فوق التي تليها من عظمة الله تعالى أو من قول المشركين: ﴿اتخذ الله ولداً﴾ (الكهف: ٤)
(١٠/٦١)
كما في سورة مريم أي: يبتدئ انفطارهن من هذه الجهة فمن: لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها، الثاني: أنه يعود على الأرضين لتقدم ذكر الأرض، الثالث: أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير، وقال الزمخشري: كلمة الكفر أي: على التفسير الثاني إنما جاءت من الذين تحت السموات فكان القياس أن يقال: ينفطرن من تحتهن أي: من الجهة التي جاءت منها الكلمة ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن ينفطرن أي: من الجهة التي فوقهن دون الجهة التي تحتهن، ونظيره في المبالغة قوله عز وجل ﴿يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم﴾ (الحج: ١٩ ـ ٢٠)
فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة ا. ه.
ولما بين تعالى أن سبب كيدودة انفطارهن جلال العظمة التي منها كثرة الملائكة وشناعة الكفر، بين لها سبباً آخر وهو عظم قول الملائكة فقال تعالى: ﴿والملائكة يسبحون﴾ أي: يوقعون التنزيه لله تعالى متلبسين ﴿بحمد ربهم﴾ أي: بإثبات الكمال للمحسن إليهم تسبيحاً يليق بحالهم فلهم بذلك زجل وأصوات لا تحملها العقول ولا تثبت لها الجبال.