﴿ومن يضلل الله﴾ أي: الذي له صفات الكمال بأن لم يوفقه ﴿فما له من ولي﴾ أي: يتولى أمره في الهداية بالبيان لما أخفاه الله تعالى عنه ﴿من بعده﴾ أي: بعد إضلال الله تعالى له، وهذا صريح في جواز أن الإضلال من الله تعالى وأن الهداية ليست في مقدر أحد سوى الله تعالى وقال تعالى: ﴿وترى الظالمين﴾ موضع وتراهم لبيان أن الضال لا يضع شيئاً في موضعه.
ولما كان عذابهم حتماً عبر عنه بالماضي فقال: ﴿لما رأوا العذاب﴾ أي: يوم القيامة المعلوم مصير الظالم إليه ﴿يقولون﴾ أي: مكررين لما اعتراهم من الدهش وغلب على قلوبهم من الوجل ﴿هل إلى مرد﴾ أي: إلى دار العمل ﴿من سبيل﴾ أي: طريق فيتمنون حينئذ الرجوع إلى الدنيا لتدارك ما فات من الطاعات الموجبة للنجاة.
(١٠/١٠٩)
﴿وتراهم﴾ أي: في ذلك اليوم والضمير في قوله تعالى: ﴿يعرضون عليها﴾ يعود على النار لدلالة العذاب عليها. ثم ذكر حالهم عند عرضهم على النار بقوله تعالى: ﴿خاشعين﴾ أي: خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم ﴿من الذل﴾ لأنهم عرفوا إذ ذاك ذنوبهم وانكشفت لهم عظمة من عصوه ﴿ينظرون﴾ أي: يبتدئ نظرهم المكرر ﴿من طرف﴾ أي: تحريك الأجفان ﴿خفي﴾ أي: ضعيف النظر يسارقون النظر إلى النار خوفاً منها وذلة في أنفسهم كما ينظر المقتول إلى السيف فلا يقدر (أن) يملأ عينه منه ولا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها، ويصح أن تكون من بمعنى الباء أي: بطرف خفي ضعيف من الذل، فإن قيل: قد قال الله تعالى في صفة الكفار أنهم يحشرون عمياً فكيف قال تعالى هنا: ﴿إنهم ينظرون من طرف خفي﴾؟ أجيب: بأنهم يكونون في الابتداء هكذا ثم يصيرون عمياً أو أن هذا في قوم وذاك في قوم آخرين، وقيل: ينظرون إلى النار بقلوبهم والنظر بالقلب خفي.


الصفحة التالية
Icon