وأما القراءة الثانية: ففيها ثلاثة أوجه؛ أحدها: أن يعطف على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب إذ تقديره أو يكلمه من وراء حجاب وهذا الفعل المقدر معطوف على وحياً، والمعنى: إلا بوحي أو سماع من وراء حجاب أو إرسال رسول، ولا يجوز أن يعطف على أن يكلمه لفساد المعنى إذ يصير التقدير: وما كان لبشر أن يرسل الله رسولاً بل يفسد لفظاً ومعنى، وقال مكي: لأنه يلزم منه نفي الرسل ونفي المرسل إليهم، ثانيها: أن ينصب بأن مضمرة وتكون هي وما نصبته معطوفين على وحياً ووحياً حال فيكون هذا أيضاً حالاً والتقدير: إلا موحياً أو مرسلاً، ثالثها: أنه معطوف على معنى وحياً فإنه مصدر مقدر بأن والفعل والتقدير: إلا بأن يوحي إليه أو بأن يرسل ذكره مكي وأبو البقاء ﴿إنه﴾ أي: هذا الذي له هذا التصرف العظيم في هذا الوحي الكريم ﴿علي﴾ أي: بالغ العلو جداً عن صفات المخلوقين ﴿حكيم﴾ يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بواسطة وتارة بغير واسطة إما عياناً وإما من وراء حجاب.
﴿وكذلك﴾ أي: ومثل إيحائنا إلى غيرك من الرسل ﴿أوحينا﴾ بما لنا من العظمة ﴿إليك﴾ يا أفضل الرسل ﴿روحاً﴾ قال ابن عباس: نبوة وقال الحسن: رحمة وقال السدي: وحياً وقال الكلبي: كتاباً وقال الربيع: جبريل وقال مالك بن دينار: القرآن، وسمي الوحي روحاً؛ لأنه مدبر الروح كما أن الروح مدبر للبدن وزاد عظمته بقوله تعالى: ﴿من أمرنا﴾ أي: الذي نوحيه إليك.
(١٠/١١٩)