﴿بسم الله﴾ أي: الذي له مقاليد الأمور كلها فهو يعطي من يشاء وإن طال سؤله ﴿الرحمن﴾ الذي نال بره جميع خلقه على حسب منازلهم عنده ﴿الرحيم﴾ الذي يقرب إليه من يشاء زلفى وإن وصل في البعد إلى الحد الأقصى وقد تقدم الكلام على قوله تعالى:
﴿حم﴾ والواو في قوله تعالى:
﴿والكتاب﴾ أي: القرآن ﴿المبين﴾ أي: مظهر طريق الهدى وما يحتاج إليه من الشريعة عاطفة إن جعلت حم قسماً وإلا كانت للقسم وقوله تعالى:
﴿إنا جعلناه﴾ أي: أوجدنا هذا الكتاب ﴿قرآناً عربيا﴾ أي: بلغة العرب جواب القسم وهذا عندهم من البلاغة وهو كون القسم والمقسم عليه من وادٍ واحد كقول أبي تمام:
وثناياك إنها إغريض أي: طلع وبرد، وقيل: كل أبيض طري ولآل توم وبرق وميض والتوم جمع تومة وهي حبة تعمل من الفضة كالدرة، والوميض مصدر ومض أي: لمع لمعاً خفيفاً.
(١٠/١٢٢)
تنبيه: احتج القائلون بحدوث القرآن بهذه الآية من وجوه؛ الأول: أنها تدل على أن القرآن مجعول والمجعول هو المصنوع المخلوق، الثاني: أنه وصفه بكونه قرآناً وهو إنما سمي قرآناً لأنه جعل بعضه مقروناً بالبعض وما كان كذلك كان مصنوعاً، الثالث: وصفه بكونه عربياً وإنما يكون عربياً لأن العرب اختصت بوضع ألفاظه في اصطلاحهم وذلك يدل على أنه مجعول والتقدير حم ورب الكتاب المبين، ويؤيد هذا قوله ﷺ يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم. وأجاب الرازي عن ذلك: بأن هذا الذي ذكرتموه حق لأنكم استدللتم بهذه الوجوه على كون الحروف المتواليات والكلمات المتعاقبة محدثة وذلك معلوم بالضرورة ومن الذي ينازعكم فيه ﴿لعلكم﴾ أي: يا أهل مكة ﴿تعقلون﴾ أي: لتكونوا على رجاء عند من يصح منه الرجاء من أن تفهموا معانيه وأحكامه وبديع وصفه ومعجز وضعه ونظامه فترجعوا عن كل ما أنتم عليه من المغالبة ولا بد أن يقع هذا التعقل فإن القادر إذا عبر بأداة الترجي حقق ما يقع ترجيه ليكون بين كلامه وكلام العاجز فرق وقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon