﴿وإنه﴾ أي: القرآن عطف على إنا أي: مثبت ﴿في أم الكتاب﴾ أي: أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ، وقال قتادة: أم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله، وقال ابن عباس: أول ما خلق الله تعالى القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال تعالى: ﴿بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ﴾ (البروج: ٢٢)، فإن قيل: ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب يستحيل عليه السهو والنسيان؟.
أجيب: بأنه تعالى لما أثبت في ذلك أحكام حوادث المخلوقات ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافقة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه، وقيل: المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى: ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب﴾ (آل عمران: ٧)
(١٠/١٢٣)
والمعنى: أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بكسر الهمزة والباقون بضمها واتفقوا في الابتداء بالهمزة على الضم وقوله تعالى: ﴿لدينا﴾ أي: عندنا بدل من الجار قبله ﴿لعلي﴾ أي: رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزاً من بينها ﴿حكيم﴾ أي: ذو حكمة بالغة أو محكم في أبواب البلاغة والفصاحة.
﴿أفنضرب﴾ أي: أنهملكم فنضرب أي: ننجي مجاوزين ﴿عنكم الذكر﴾ أي: القرآن وفي نصب قوله تعالى: ﴿صفحاً﴾ أوجه؛ أحدها: أنه مصدر من معنى نضرب لأنه يقال ضرب عن كذا وأضرب عنه بمعنى أعرض عنه وصرف وجهه عنه قال طرفة:
*اضرب عنك الهموم طارقها | ضربك بالسيف قونس الفرس* |