*ولولا كثرة الباكين حولي على موتاهم لقتلت نفسي*
*وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي*
والثاني: أنه مضمر فقدره بعضهم ضمير التمني المدلول عليه بقوله: ﴿يا ليت بيني﴾ أي: لن ينفعكم تمنيكم البعد وبعضهم اجتماعكم وبعضهم ظلمكم وجحدكم، وعبارة من عبر بأن الفاعل محذوف مقصوده الإضمار المذكور لا الحذف إذ الفاعل لا يحذف إلا في مواضع ليس هذا منها والمعنى: ولن ينفعكم اليوم في الآخرة ﴿إذ ظلمتم﴾ أي: أشركتم في الدنيا ﴿أنكم في العذاب مشتركون﴾ أي: لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب كما كنتم تشتركون في الدنيا.
(١٠/١٤٨)
تنبيه: استشكل المعربون هذه الآية ووجهه أن قوله تعالى: ﴿اليوم﴾ ظرف حالي وإذ ظرف ماضي وينفعكم مستقبل لاقترانه بلن التي لنفي المستقبل، والظاهر أنه عامل في الظرفين وكيف يعمل الحدث المستقبل الذي لم يقع إلا بعد في ظرف حالي وماض هذا مما لا يجوز؟ أجيب: عن أعماله في الظرف الحالي على سبيل قربه منه لأن الحال قريب من الاستقبال فيجوز في ذلك قال تعالى: ﴿فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً﴾ (الجن: ٩)
وقال الشاعر:
*سأسعى الآن إذ بلغت أباها وهو إقناعي وإلا فالمستقبل*
يستحيل وقوعه في الحال عقلاً وأما قوله تعالى: ﴿إذ﴾ ففيها للناس أوجه كثيرة قال ابن جني: راجعت أبا علي فيها مراراً كثيرة فآخر ما حصلت منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه، فإذ بدل من اليوم حتى كأنها مستقبلة أو كان اليوم ماض وإلى هذا نحا الزمخشري قال: وإذ بدل من اليوم، وحمل الزمخشري على معنى إذ تبين وصح ظلمكم ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين ونظيره:
*إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة*
أي: تبين أني ولد كريمة.
ولما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم بالصمم والعمى بقوله تعالى:
(١٠/١٤٩)


الصفحة التالية
Icon