﴿وآتيناهم﴾ مع ذلك ﴿بينات من الأمر﴾ أي: الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته، وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً، فلما جاءهم العلم اختلفوا كما قال تعالى ﴿فما اختلفوا﴾ أي: أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم ﴿إلا من بعد ما جاءهم العلم﴾ أي: الذي من شأنه الجمع على المعلوم فكان ما هو سبب الاجتماع سبباً لهم في الافتراق ﴿بغياً﴾ أي: للمجاوزة في الحدود التي اقتضاها لهم طلب الرياسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس ﴿بينهم﴾ أي: واقعاً فيهم لم يعدهم إلى غيرهم وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل، ولذلك استأنف قوله تعالى الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن خالف أمرهم مؤكداً لأجل إنكارهم ﴿إن ربك﴾ أي: المحسن إليك ﴿يقضي بينهم﴾ أي: بإحصاء الأعمال والجزاء عليها ﴿يوم القيامة﴾ أي: الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك ﴿فيما كانوا﴾ أي: لما هو لهم كالجبلة ﴿فيه يختلفون﴾ بغاية الجهد، والمعنى: أنه لا ينبغي للمبطل أن يفرح بنعم الدنيا فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها فإنه سيرى في الآخرة ما يسوءه وذلك كالزجر لهم.
(١٠/٢٢١)
ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق بغياً وحسداً أمر رسوله ﷺ أن يعدل عن تلك الطريقة وأن يتمسك بالحق وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق فقال تعالى: