واختلف في تفسير قوله تعالى عن قوله عليه الصلاة والسلام: ﴿وما أدري ما يفعل بي ولا بكم﴾ على وجهين؛ أحدهما: أن يحمل ذلك على أحوال الدنيا والثاني: أن يحمل على أحوال الآخرة. أما الأوّل؛ ففيه وجوه. أحدها: أنّ معناه لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم، ومن الغالب منا ومن المغلوب. ثانيها: قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما اشتد البلاء بأصحاب النبي ﷺ بمكة: رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشرّوا بذلك ورأوا أن ذلك فرج ما بهم من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك فقالوا يا رسول الله ما رأينا الذي قلت متى تهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام؟ فسكت النبي ﷺ فأنزل الله تعالى:
﴿قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم﴾ هو شيء رأيته في المنام. ﴿إن﴾ أي: ما ﴿أتبع﴾ أي: بغاية جهدي وجدّي ﴿إلاما﴾ أي: الذي ﴿يوحى﴾ أي: يجدّد لقاؤه ممن لا يوحى بحق سواه ﴿إلي﴾ على سبيل التدريج لا يطلع عليه حق اطلاعه غيري. ثالثها: قال الضحاك: لا أدري ما تؤمرون به ولا ما أومر به من التكاليف والشرائع، ولا من الابتلاء والامتحان.
﴿وما أنا﴾ أي: بإخباري لكم عما يوحى إليّ ﴿إلا نذير مبين﴾ أي: بيّن الإنذار رابعها: كأنه يقول: ما أدري ما يفعل بي في الدنيا؛ أموت، أو أقتل كما قتل الأنبياء قبلي؟ ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون؛ أترمون بالحجارة من السماء، أو يخسف بكم، أو يفعل بكم ما يفعل بسائر الأمم؟ قال السدّي: ثم أخبره الله تعالى أنه يظهر دينه على الأديان بقوله تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله﴾ (التوبة: ٢٣)
وقال في أمّته ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ (الأنفال: ٣٣)
فأخبره الله تعالى بما يصنع به وبأمّته.
(١١/٩)


الصفحة التالية
Icon