وأما من حمل الآية على أحوال الآخرة، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه الآية، فرح المشركون والمنافقون واليهود. وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً﴾ (الفتح: ٥)
فقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ (سورة الفتح، آية: ٥)
الآية وأنزل: ﴿وبشر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيراً﴾ (الأحزاب: ٤٧)
فبين لهم ما يفعل به وبهم وبهذا قال أنس والحسن وعكرمة. وقالوا إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه، لأنه إنما أخبر به عام الحديبية فنسخ ذلك.
قال الرازي: وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول من وجهين؛ أحدهما: أن النبي ﷺ لا بدّ وأن يعلم من نفسه ومتى علم كونه نبياً علم أنه لا تصدر عنه الكبائر، وأنه مغفور له وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكاً في أنه هل هو مغفور له أو لا ثانيهما: أن الأنبياء أرفع حالاً من الأولياء وقد قال تعالى في حقهم ﴿إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (الأحقاف: ١٣)
فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكاً في أنه هل هو من المغفور لهم؟ فثبت ضعف هذا القول.
(١١/١٠)


الصفحة التالية
Icon