﴿هو﴾ أي: وحده ﴿الذي أنزل﴾ أي: في يوم الحديبية وغيره ﴿السكينة﴾ أي: الثبات على الدين والطمأنينة ﴿في قلوب المؤمنين﴾ أي: الراسخين في الإيمان وهم أهل الحديبية بعد أن دهمهم فيها ما من شأنه أن يزعج النفوس ويزيغ القلوب من صدّ الكفار ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصودهم فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن هاج الناس وزلزلوا حتى عمر مع أنه فاروق ومع وصفه في الكتب السالفة بأنه قرن من حديد فما الظنّ بغيره، وكان عند الصديق من القدم الثابت والأصل الراسخ ما علم به أنه لم يسابق ثم ثبتهم الله تعالى أجمعين. وقال الرازي: السكينة الثقة بوعد الله والصبر على حكم الله. وقيل: السكينة ههنا معنى يجمع فوزاً وقوة وروحاً يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين.
(١١/٨٨)
وأثر هذه السكينة غير السكينة المذكورة في قوله تعالى: ﴿يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم﴾ (البقرة: ٢٤٨)
ويحتمل أن تكون هي تلك لأنّ المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلب ﴿ليزدادوا﴾ أي بتصديق الرسول ﷺ حين قال لهم: إنه لا بدّ أن تدخلوا مكة وتطوفوا بالبيت ﴿إيماناً﴾ عند التصديق بالغيب ﴿مع إيمانهم﴾ الثابت من قبل هذه الواقعة أو بشرائع الدين مع إيمانهم بالله واليوم الآخر وقال القشيري: بطلوع أقمار عين اليقين على نجوم علم اليقين ثم بطلوع شمس حق اليقين على بدر عين اليقين. وقال ابن عباس: بعث الله رسوله ﷺ بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدّقوا زادهم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم الجهاد، حتى أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقاً إلى تصديقهم. وقال الضحاك: يقيناً مع يقينهم وقيل: ازدادوا إيماناً استدلالاً مع إيمانهم الفطري. فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى في حق الكفار ﴿إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً﴾ (آل عمران: ١٧٨)


الصفحة التالية
Icon