﴿إن المتقين﴾ أي الذين كانت التقوى لهم وصفاً ثابتاً ﴿في جنات﴾ أي بساتين عظيمة تجن داخلها أي تستره من كثرة ظلالها لكثرة أشجارها وعظمها ﴿وعيون﴾ جارية في خلال الجنان.
تنبيه: المتقي له مقامات أدناها أن يتقي الشرك وأعلاها أن يتقي الدنيا والآخرة، وأدنى درجات المتقي الجنة فما من مكلف اجتنب الكفر إلا ويدخل الجنة.
وقرأ ابن كثير وابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائيّ بكسر العين والباقون بالضم. وقوله تعالى:
﴿آخذين﴾ حال من الضمير في خبر إن. وقوله تعالى: ﴿وما آتاهم ربهم﴾ أي المحسن إليهم المدبر لهم بتمام علمه وشامل قدرته إن كان مما في الجنة فتكون حالاً حقيقية وإن كان مما آتاهم من أمره ونهيه في الدنيا فتكون حالاً محكية لاختلاف الزمانين.
تنبيه: اعلم أن الله تعالى وحد الجنة تارة قال تعالى: ﴿مثل الجنة﴾ (الرعد: ٣٥)
وأخرى جمعها كقوله تعالى هنا: ﴿إنّ المتقين في جنات﴾ وتارة ثناها قال تعالى: ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ (الرحمن: ٤٦)
والحكمة فيه أنّ الجنة في توحيدها لاتصال المنازل والأشجار والأنهار كجنة واحدة، وأما جمعها فإنها بالنسبة إلى الدنيا وبالإضافة إليها جنات لا يحصرها عدد وأما تثنيتها فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في سورة الرحمن وهو قوله تعالى: ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ (الرحمن: ٤٦)
(١١/٢١٠)
فقيل: جنة لخوفه من ربه، وجنة لتركه شهوته، وقيل جنة لخائف الإنس وجنة لخائف الجن فيكون من باب التوزيع قال الرازي: غير أنا نقول ههنا إنّ الله تعالى عند الوعد وحد الجنة وكذلك عند الشراء فقال تعالى ﴿إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾ (التوبة: ١١١)
وعند الإعطاء جمعها إشارة إلى أن الزيادة في الوعد موجودة بخلاف ما لو وعد بجنات ثم يقول إنه في جنة لأنه دون الموعود.