فإن قيل: فلم لم يذكر المصدّقين كما ذكر المكذبين، وقال: إلا قال بعضهم: صدقت وبعضهم كذبت أجيب: بأنّ المقصود التسلية وهي أعلى التكذيب فكأنه تعالى قال لا تأس على تكذيب قومك فإنّ أقواماً قبلك كذبوا ورسلاً كذبوا.
ثم عجب منهم بقوله تعالى:
﴿أتواصوا به﴾ فهو استفهام للتعجب والتوبيخ والضمير في به يعود على القول المدلول عليه بقالوا، أي أتواصوا الأوّلون والآخرون بهذا القول المتضمن لساحر أو مجنون والمعنى: كيف اتفقوا على معنى واحد، كأنهم تواطؤا عليه وأوصى أوّلهم آخرهم بالتكذيب وقوله تعالى ﴿بل هم قوم﴾ أي: ذو شماخة وكبر ﴿طاغون﴾ إضراب عن أنّ التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أنّ الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه، ثم إنّ الله تعالى سلى نبيه ﷺ بقوله تعالى:
﴿فتولّ﴾ أي: أعرض ﴿عنهم﴾ أي: كلف نفسك الإعراض عن الإبلاغ في إبلاغهم ولا تأسف على تخلفهم عن الإسلام ﴿فما أنت بملوم﴾ لأنك بلغتهم الرسالة وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية «حزن النبيّ ﷺ واشتدّ ذلك على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وإن العذاب قد حضر إذ أمر النبيّ ﷺ أن يتولى عنهم» فأنزل الله تعالى:
﴿وذكر﴾ أي: ولا تدع التذكير والموعظة ﴿فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ فطابت أنفسهم، والمعنى: ليس التولي مطلقاً بل تولّ وأقبل وأعرض وادع فلا التولي يضرّك إذا كان عليهم ولا التذكير يضيع إذا كان مع المؤمنين، وقال مقاتل: معناه عظ بالقرآن كفار مكة فإنّ الذكرى تنفع من علم الله تعالى أنه مؤمن منهم، وقال الكلبي: عظ بالقرآن من آمن من قومك فإنّ الذكرى تنفعهم.
ولما بين حال من قبل النبيّ ﷺ في التكذيب بين سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الله تعالى الذي خلقهم للعبادة بقوله تعالى:
(١١/٢٣٤)


الصفحة التالية
Icon