﴿وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون﴾ واختلف في تفسير ذلك فأكثر المفسرين على أن المراد بهم العموم، ولا ينافي ذلك عدم عبادة الكافرين لأنّ الغاية لا يلزم وجودها كما في قولك بريت هذا القلم لأكتب به فإنك قد لا تكتب به هكذا قال الجلال المحلي، وأوضح منه ما قاله ابن عادل: إنّ المعنى إلا معدّين للعبادة ثم منهم من يتأتى منه ذلك ومنهم من لا، كقولك: هذا القلم بريته للكتابة ثم قد لا تكتب به وقد تكتب انتهى أو إنّ المراد إلا لأمرهم بالعبادة وليقروا بها وهذا منقول عن عليّ بن أبي طالب، أو إنّ المراد ليطيعوا وينقادوا لقضائي، فالمؤمن يفعل ذلك طوعاً والكافر يفعل ذلك كرهاً، أو أنّ المراد إلا ليوحدون فأمّا المؤمن فيوحد اختياراً في الشدّة والرخاء، وأمّا الكافر فيوحد اضطراراً في الشدّة والبلاء دون النعمة والرخاء. وقال مجاهد: معناه إلا ليعرفون قال البغوي: وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده بدليل قوله تعالى: ﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله﴾ (الزخرف: ٨٧)
وقيل: المراد به الخصوص أي: ما خلقت السعداء من الجنّ والأنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي. قال زيد بن أسلم: قال هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة، ويؤيده قوله تعالى ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس﴾ (الأعراف: ١٧٩)
وقيل: وما خلقت الجنّ والإنس المؤمنين وقيل: الطائعين.
(١١/٢٣٥)
تنبيه: استدلّ المعتزلة بهذه الآية على أنّ أفعال الله تعالى معللة بالأغراض وأجيبوا بوجوه منها: أنّ اللام قد ثبتت لغير الغرض كقوله تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس﴾ (الإسراء: ٧٨)
وقوله تعالى ﴿فطلقوهنّ لعدّتهنّ﴾ (الطلاق: ١)
ومعناه المقارنة فيكون معناه قرنت الخلق بالعبادة أي خلقتهم وفرضت عليهم العبادة ومنها قوله تعالى ﴿الله خالق كل شيء﴾ (الرعد: ١٦)
ومنها ما يدلّ على أنّ الإضلال بفعل الله كقوله تعالى ﴿يضل من يشاء﴾ (الرعد: ٢٧)