وفي بعضها بإفراد كقوله تعالى ﴿والطور﴾ ولم يقل والأطوار والأبحار قال الرازي: والحكمة فيه أنّ في أكثر الجموع أقسم عليها بالمتحرّكات والريح الواحدة ليست بثابتة بل هي متبدلة بأفرادها مستمرّة بأنواعها والمقصود منها لا يحصل إلا بالتبدل والتغير فقال ﴿والذاريات﴾ إشارة إلى النوع المستمرّ لا إلى الفرد المعين المستقر، وأمّا الجبل فهو ثابت غير متغير عادة فالواحد من الجبال دائم زماناً ودهراً فأقسم في ذاك بالواحد، وكذلك في قوله تعالى ﴿والنجم﴾ (النجم: ١)
ولو قال والريح لما علم المقسم به وفي الطور علم.
وقوله تعالى: ﴿إنّ عذاب ربك﴾ أي: الذي تولى تربيتك ﴿لواقع﴾ أي: ثابت نازل بمستحقه جواب القسم كما مرّ.
﴿ما له من دافع﴾ أي: مانع لأنه لا شريك لموقعه لما دلت عليه هذه الأقسام من كمال القدرة وجلال الحكمة قال جبير بن مطعم: قدمت المدينة لأكلم رسول الله ﷺ في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ والطور إلى قوله تعالى: ﴿إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع﴾ فكأنما صدع قلبي حين سمعته ولم أكن أسلمت يومئذ فأسلمت خوفاً من العذاب وما كنت أظنّ أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.
ثم بين تعالى أنه متى يقع بقوله تعالى ﴿يوم تمور السماء﴾ أي: تتحرك وتضطرب وتجيء وتذهب وتدور دوران الرحى ويموج بعضها في بعض وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة وتختلف أجزاؤها بعضها في بعض. قال البغوي: والمور يجمع هذه المعاني وهو في اللغة الذهاب والمجيء والتردّد والدوران والاضطراب قال الرازي: وقيل تجيء وتذهب كالدخان ثم تضمحل ﴿موراً﴾ أي: اضطراباً شديداً.
﴿وتسير الجبال﴾ أي: تنتقل من أمكنتها انتقال السحاب وحقق معناه بقوله تعالى ﴿سيراً﴾ فتصير هباء منثوراً وتكون الأرض قاعاً صفصفاً.
(١١/٢٤٤)