خبر مقدّم وقوله تعالى ﴿هذا﴾ هو المبتدأ وقدّم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والتوبيخ، وذلك أنهم كانوا ينسبون محمداً ﷺ إلى السحر وأنه يغطي الأبصار بالسحر وأنّ انشقاق القمر وأمثاله سحر فوبخوا به، وقيل لهم: ﴿أفسحر هذا﴾ أي الذي أنتم فيه من العذاب مع هذا الإحراق الذي تصلون فيه ﴿أم أنتم﴾ في منام أو نحوه ﴿لا تبصرون﴾ بالقلوب كما كنتم تقولون في الدنيا قلوبنا في أكنة، ولا بالأعين كما كنتم تقولون للمنذر ﴿بيننا وبينك حجاب فاعمل أننا عاملون﴾ (فصلت: ٥)
(١١/٢٤٦)
﴿اصلوها﴾ أي: إذا لم يمكنكم إنكارها وتحققتم أنه ليس بسحر ولا خلل في أبصاركم فقاسوا شدّتها ﴿فاصبروا﴾ على هذا الذي لا طاقة لكم به ﴿أو لا تصبروا﴾ فإنه لا محيص لكم عنه ﴿سواء عليكم﴾ أي: الصبر والجزع فإنّ صبركم لا ينفعكم. وقوله تعالى: ﴿إنما تجزون ما كنتم تعملون﴾ تعليل للاستواء فإنه لماكان الجزاء واجباً كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع.
ولما ذكر ما للمكذبين من العذاب أتبعه ما لأضدادهم من الثواب فقال تعالى ﴿إن المتقين﴾ أي: الذين صارت التقوى لهم صفة راسخة ﴿في جنات﴾ أي: بساتين أية بساتين دائماً في الدنيا حكماً وفي الآخرة حقيقة ﴿ونعيم﴾ أيّ: نعيم في العاجل يعني بما لهم فيه من الأنس وفي الآجل بالفعل.
وزاد في تحقيق التنعم بقوله تعالى ﴿فاكهين﴾ أي: متلذذين معجبين ناعمين ﴿بما آتاهم﴾ أي: أعطاهم ﴿ربهم﴾ الذي تولى تربيتهم بعملهم بالطاعات إلى أن أوصلهم إلى هذا النعيم ﴿ووقاهم﴾ أي: قبل ذلك ﴿ربهم﴾ أي: المتفضل بتربيتهم بكفهم عن المعاصي والقاذورات ﴿عذاب الجحيم﴾ أي النار الشديدة التوقد.