﴿قالوا﴾ أي: قال كل منهم ﴿إنا كنا قبل﴾ أي: في دار العمل ﴿في أهلنا﴾ على ما لهم من العدد والعُدَد والسعة، ولنا بهم من جوانب اللذة والدواعي إلى اللعب ﴿مشفقين﴾ أي: عريقين في الخوف من الله تعالى لا يلهينا عنه شيء مع لزومنا لما نقدر عليه من طاعته لعلمنا بأنا لا نقدره لما له من العظمة والجلال والكبرياء والكمال حق قدره، والمعنى: أنهم يسألون عن سبب ما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة فيقولون ذلك خشية الله تعالى أي كنا نخاف الله تعالى.
﴿فمنّ الله﴾ الذي له جميع الكمال بسبب إشفاقنا منه ﴿علينا﴾ بالرحمة والتوفيق ﴿ووقانا﴾ أي: وجنبنا بما سترنا به ﴿عذاب السموم﴾ قال الكلبيّ عذاب النار، وقال الحسن: السموم من أسماء جهنم، والسموم في الأصل الريح الحارة التي تتخلل المسام والجمع سمائم. يقال: سمّ يومنا أي اشتدّ حره، وقال ثعلب: السموم شدة الحرّ أو شدة البرد في النهار، وقال أبو عبيدة: السموم بالنهار وقد تكون بالليل، والحرور بالليل وقد تكون بالنهار.
(١١/٢٥٣)
﴿إنا كنا﴾ أي: بما طبعنا عليه وهيئنا له ﴿من قبل﴾ أي: في الدنيا ﴿ندعوه﴾ أي: نسأله ونعبده بالفعل وأمّا خوفنا بالقوة فقد كان في كل حركة وسكون، ثم عللوا دعاءهم إياه مؤكدين لأنّ أنعامه عليهم مع تقصيرهم مما لا يكاد يفعله غيره فهو مما يتعجب منه غاية التعجب بقولهم: ﴿إنه هو﴾ أي: وحده، وقرأ نافع والكسائي بفتح الهمزة والباقون بكسرها ﴿البرّ﴾ أي: الواسع الجود الذي عطاؤه حكمة ومنعه رحمة لأنه لا ينقصه إعطاء ولا يزيده منع، فهو يبر عبده المؤمن بما يوافق نفسه فربما برّه بالنعمة وربما برّه بالبؤس فهو يختار له من الأحوال ما هو خير له ليوسع له البرّ في العقبى فعلى المؤمن أن لا يتهم ربه في شيء من قضائه ﴿الرحيم﴾ أي: المكرم لمن أراد من عباده بإقامته فيما يرضاه من طاعته ثم بإفضاله عليه وإن قصر في خدمته.


الصفحة التالية
Icon