أحدهما: المعروف أي ما زاغ بصر محمد ﷺ وعلى هذا إن قيل بأنّ الغاشي للسدرة هو الجراد والفراش فمعناه لم يلتفت إليه ولم يشتغل به ولم يقطع نظره عن مقصوده فيكون غشيان الجراد والفراش ابتلاء وامتحاناً لمحمد ﷺ وإن قيل إنّ الغاشي أنوار الله تعالى ففيه وجهان: أحدهما: لم يلتفت يمنة ولا يسرة بل اشتغل بمطالعتها. الثاني: ما زاغ البصر بصعقه بخلاف موسى عليه السلام فإنه قطع النظر وغشي عليه، ففي الأوّل بيان أدب محمد ﷺ وفي الثاني بيان قوّته.
الوجه الثاني: أنّ اللام لتعريف الجنس أي ما زاغ بصره أصلاً في ذلك الموضع لعظم هيبته فإن قيل: لو كان كذلك لقال ما زاغ بصره فإنه أدلّ على العموم فإنّ النكرة في معرض النفي تعم، أجيب: بأنّ هذا مثل كقوله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار﴾ (الأنعام: ١٠٣)
ولم يقل ولا يدركه بصر.
ولما كانوا قد أنكروا الإسراء إنكاراً لم يقع لهم في غيره مثله زاد في تأكيده على وجه يعمّ غيره فقال تعالى: ﴿لقد رأى﴾ أي: أبصر ما أهلناه له من الرسالة تلك الليلة إبصاراً سارياً إلى البواطن غير مقتصر على الظواهر ﴿من آيات ربه﴾ أي: المحسن إليه بما لم يصل إليه أحد قبله ولا يصل إليه أحد بعده ﴿الكبرى﴾ أي: العظام أي بعضها، واختلف في ذلك البعض فقيل جبريل عليه السلام رآه في صورته له ستمائة جناح. وقال الرازي: والظاهر أن هذه الآيات غير تلك لأنّ جبريل عليه السلام وإن كان عظيماً لكنه ورد في الأخبار أنّ لله تعالى ملائكة أعظم منه، والكبرى تأنيث الأكبر فكأنه تعالى قال رأى من آيات ربه آيات هنّ أكبر الآيات وقيل رأى: رفرفاً أخضر سد الأفق وقيل: أراد ما رأى في تلك الليلة في مسيره وعوده ومن اجتماعه تلك الليلة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السموات.
ولما قرّر تعالى الرسالة ذكر ما ينبغي أن يبتدئ به الرسول وهو التوحيد ومنع الخلق عن الإشراك بقوله تعالى:
(١١/٢٨٠)