ولله تبارك وتعالى رحمتان: رحمة سابقة بها خلق الخلق؛ ورحمة لاحقة بها أعطاهم الرزق والمنافع، فهو رحمن باعتبار السابقة، رحيم باعتبار اللاحقة، ولما اختص بالإيجاد لم يقل لغيره رحمن ولما خلق بعض خلقه الصالحين ببعض أخلاقه بحسب الطاقة البشرية فأطعم ونفع جاز أن يقال له: رحيم.
وفي إعراب الرحمن ثلاثة أوجه: أحدها: أنه خبر مبتدأ مضمر أي الله الرحمن الثاني: أنه مبتدأ وخبره مضمر أي الرحمن ربنا. الثالث: أنه مبتدأ خبره علم القرآن؛ فإن قيل: كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾ (آل عمران: ٧)
(١١/٣٤١)
أجيب بأنا أن قلنا بعطف الراسخين على الله فهو ظاهر، وإن قلنا بالوقف على الله ويبتدأ بقوله تعالى: ﴿والراسخون﴾ (آل عمران: ٧)
فلأن من علم كتاباً عظيماً فيه مواضع مشكلة قليلة وتأمّلها بقدر الإمكان فإنه يقال فلان يعلم الكتاب الفلاني، وإن كان لم يعلم مراد صاحب الكتاب بيقين في تلك المواضع القليلة، وكذا القول في تعليم القرآن، أو يقال المراد لا يعلمه من تلقاء نفسه بخلاف الكتب التي تستخرج بقوة الذكاء والفكر.
واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال أكثر المفسرين: نزلت حين قالوا: وما الرحمن، وقيل: نزلت جواباً لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر وهو رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب؛ فأنزل الله تعالى: ﴿الرحمن علم القرآن﴾ أي: سهله ليذكر ويقرأ، كما قال تعالى: ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر﴾ (القمر: ١٧)
ولما كان كأنه قيل كيف يعلمه وهو صفة من صفاته، ولمن علمه قال تعالى مستأنفاً أو معللاً ﴿خلق الإنسان﴾ أي: الجنس بأن قدره وأوجده على هذا الشكل المعروف والتركيب الموصوف منفصلاً عن جميع الجمادات، وأصله منها ثم عن سائر الناميات، ثم عن غيره من الحيوانات، وخلقه له دليل على خلقه لكل شيء موجود ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ (القمر: ٤٩)
وقيل علم القرآن جعله علامة.
(١١/٣٤٢)


الصفحة التالية
Icon