وكله متفق المعنى وذلك أنه أخذه من تراب الأرض، فعجنه بالماء، فصار طيناً، ثم ترك حتى صار حمأ مسنوناً ثم منتناً ثم صوّره كما يصوّر الإبريق وغيره من الأواني، ثم أيبسه حتى صار في غاية الصلابة فصار كالخزف الذي إذا نقر صوت صوتاً، يعلم منه هل فيه عيب أو لا فالمذكور هنا آخر تخليقه وهو أنسب بالرحمانية وفي غيرها تارة مبدؤه وتارة أثناؤه فالأرض أمّه والماء أبوه ممزوجين بالهواء الحامل للجزء الذي هو من فيح جهنم؛ فمن التراب جسده ونفسه، ومن الماء روحه وعقله، ومن النار غوايته وحدته، ومن الهواء حركته وتقلبه في محامده ومذامه، فالغالب في جبلته التراب، فلهذا نسب إليه، وإن خلق من العناصر الأربع، كما أنّ الجانّ خلق من العناصر الأربع لكن الغالب في جبلته النار فنسب إليها؛ كما قال تعالى: ﴿وخلق الجانّ﴾ أي: أبا الجنّ، وهو إبليس وقيل: هو أبوهم وليس هو بإبليس؛ وقيل: هو اسم جنس كالإنسان ﴿من مارج من نار﴾ وهو لهبها الخالص من الدخان؛ وقال القشيري: هو اللهب المختلط بسواد النار، فالنار أغلب عناصره. وقال الليث: المارج الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد. وعن ابن عباس: أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر وهو مشاهد في النار ترى الألوان الثلاثة مختلط بعضها ببعض؛ ونحوه عن مجاهد. وقال أبو عبيدة والحسن: المارج المختلط من النار وأصله من مرج إذا اضطرب واختلط قال القرطبي: يروى أنّ الله تعالى خلق نارين فمرج أحداهما بالأخرى فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم، فخلق منها إبليس.
تنبيه: ﴿من مارج من نار﴾ مَنْ الأولى لابتداء الغاية؛ وفي الثانية وجهان: أحدهما: أنها للبيان. والثاني: أنها للتبعيض.
﴿فبأي آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ الناشئة عن مبدئكما ومربيكما وسيد كما ﴿تكذبان﴾ أي: مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات.
(١١/٣٥٢)


الصفحة التالية
Icon