﴿بها المجرمون﴾ أي: المشركون الحقيقون بالإجرام، وهو قطع ما من حقه أن يوصل وهو ما أمر الله تعالى به وخص هذا الاسم إشارة إلى أنها تلقاهم بالتجهم والعبوسة والكلاحة والفظاعة كما كانوا يفعلون مع الصالحين عند الإجرام المذكور.
(١١/٣٧٠)
﴿يطوفون بينها﴾ أي بين درك النار ﴿وبين حميم آن﴾ أي: حارمتناه في الحرارة وهو منقوص كقاض؛ يقال: أنى يأني فهو آن؛ كقضى يقضي فهو قاض؛ والمعنى أنهم يسعون بين الحميم والجحيم، فإذا استغاثوا من النار جعل عذابهم الحميم الآن الذي صار كالمهل؛ وهو قوله تعالى: ﴿وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل﴾ (الكهف: ٢٩)
وقال كعب الأحبار: وادٍ من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون فيه حتى تنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم خلقاً جديداً، فيلقون في النار، فذلك قوله تعالى: ﴿يطوفون بينها وبين حميم آن﴾.
فإن قيل: هذه الأمور ليست نعمة؟ فكيف قال عز وجل: ﴿فبأيّ آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ أي: المحسن أيها الثقلان إليكما ﴿تكذبان﴾ أجيب: من وجهين:
أحدهما: أن ما وصف من هول يوم القيامة وعقاب المجرمين فيه زجر عن المعاصي وترغيب في الطاعات، وهذا من أعظم النعم؛ روي أنّ النبي ﷺ أتى على شاب يقرأ في الليل ﴿فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان﴾ (الرحمن: ٣٧)
فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي فقال النبيّ ﷺ «ويحك يا فتى منها فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء من بكائك».
الثاني: أنّ المعنى إن كذبتم بالنعمة المتقدّمة استحقيتم هذه العقوبات وهي دالة على الإيمان بالغيب، وهو من أعظم النعم.