تنبيه: الفاء في قوله تعالى: ﴿فأصحاب﴾ تدل على التقسيم وبيان ما ورد عليه التقسيم، كأنه قال: أزواجاً ثلاثة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون، ثم بين حال كل قسم فقال: فأما أصحاب الميمنة وترك التقسيم أولاً واكتفى بما يدل عليه بأنّ ذكر الأقسام الثلاثة مع أحوالها، فإن قيل: ما الحكمة في اختيار لفظ المشأمة في مقابلة الميمنة مع أنه قال في بيان أحوالهم: وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال؟ أجيب: بأنّ اليمين وضع للجانب المعروف، واستعملوا منه ألفاظاً في مواضع، فقالوا: هذا ميمون تيمناً به، ووضعوا مقابلة اليمين اليسار من الشيء اليسير إشارة إلى ضعفه، واستعملوا منه ألفاظاً تشاؤماً به فذكر المشأمة في مقابلة الميمنة، وذكر الشمال في مقابلة اليمين، فاستعمل كل لفظ مع مقابلة.
ولما ذكر تعالى القسمين وكان كل منهما قسمين ذكر أعلى أهل القسم الأوّل ترغيباً في حسن حالهم ولم يقسم أهل المشأمة ترهيباً في سوء حالهم فقال تعالى: ﴿والسابقون﴾ أي: إلى أعمال الطاعة مبتدأ وقوله تعالى: ﴿السابقون﴾ تأكيد عن المهدوي أنّ النبيّ ﷺ قال: «السابقون الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سُئِلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم». وقال محمد بن كعب القرظي: هم الأنبياء عليهم السلام، وقال الحسن وقتادة: السابقون إلى الإيمان من كل أمّة؛ وقال محمد بن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ (التوبة: ١٠٠)
وقال مجاهد والضحاك: هم السابقون إلى الجهاد وأوّل الناس رواحاً إلى الصلاة؛ وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: هم السابقون إلى الصلوات الخمس؛ وقال سعيد بن جبير: إلى التوبة وأعمال البرّ، قال تعالى: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ (آل عمران: ١٣٣)
﴿ثم أثنى عليهم فقال تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون﴾ (المؤمنون: ٦١)
(١١/٣٩٤)


الصفحة التالية
Icon