﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي: بموسى وعيسى عليهما السلام إيماناً صحيحاً ﴿اتقوا الله﴾ أي: خافوا عقاب الملك الأعظم ﴿وآمنوا برسوله﴾ محمد ﷺ إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بمن تقدّمه، هذا إذا كان خطاباً لمؤمني أهل الكتاب، وأمّا إذا كان خطاباً للمؤمنين من أهل الكتاب وغيرهم، فالمعنى: آمنوا برسوله إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بالله تعالى فإنه لا يصح الإيمان بالله إلا مع الإيمان برسوله ﷺ ﴿يؤتكم﴾ أي: يثبكم على اتباعه ﴿كفلين﴾ أي: نصيبين ضخمين ﴿من رحمته﴾ يحصنانكم من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من الوقوع وهو كساء يعقد على ظهر البعير فيلقي مقدّمه على الكاهل ومؤخره على العجز وهذا التحصين لأجل إيمانكم بمحمد ﷺ وإيمانكم بمن تقدّمه مع خفة العمل ورفع الآصار، ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخاً ببركة الإسلام. وقيل: الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره ﷺ وقال أبو موسى الأشعري: كفلين ضعفين بلسان الحبشة، وقال ابن زيد: كفلين أجر الدنيا وأجر الآخرة، وعن أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال: «ثلاث يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوّجها، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد ﷺ وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده» ﴿ويجعل لكم﴾ أي: مع ذلك ﴿نوراً﴾ مجازياً في الدنيا من العلوم والمعارف القلبية وحسياً في الآخرة بسبب العمل ﴿تمشون به﴾ أي: مجازاً في الدنيا بالتوفيق للعمل وحقيقة في الآخرة بسبب العمل، وقال مجاهد: النور هو البيان والهدى، وقال ابن عباس: هو القرآن، وقال الزمخشري: هو النور المذكور في قوله تعالى: ﴿نورهم يسعى﴾ (التحريم: ١)
(١١/٤٨٦)


الصفحة التالية
Icon