﴿استحوذ﴾ أي: استولى ﴿عليهم الشيطان﴾ مع أنه طريد ومحترق ووصل منهم إلى ما يريده وملكهم ملكاً لم يبق لهم معه اختيار فصاروا رعيته وصار هو محيطاً بهم من كل جهة غالباً عليهم ظاهراً وباطناً من قولهم حذت الأبل وحذذتها إذا استوليت عليها، والحوذ أيضاً: السوق السريع ومنه الأحوذي الخفيف في الشيء لحذقه، واستحوذ مما جاء على الأصل وهو ثبوت الواو دون قلبها ألفاً ﴿فأنساهم﴾ أي: فتسبب عن استحواذه عليهم أن أنساهم ﴿ذكر الله﴾ أي: الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا ﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء ﴿حزب الشيطان﴾ أي: أتباعه وجنوده وطائفته وأصحابه ﴿ألا إنّ حزب الشيطان﴾ أي: الطريد المحترق ﴿هم الخاسرون﴾ أي: العريقون في هذا الوصف؛ لأنهم لم يظفروا بغير الطرد والاحتراق.
﴿إن الذين يحادون الله﴾ أي: يفعلون مع الملك الأعظم الذي لا كفؤ له، فعل من ينازع آخر في الأرض فيغلب على طائفة ليجعل لها حداً لا يتعداه خصمه ﴿ورسوله﴾ أي: الذي عظمته من عظمته ﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء ﴿في الأذلين﴾ أي: في جملة من هو أدل خلق الله تعالى.
واختلف في معنى قوله عز وجلّ ﴿كتب الله﴾ أي: الملك الذي لا كفؤ له فقال أكثر المفسرين أي: قضى الله عز وجلّ ﴿لأغلبن﴾ وقال قتادة: كتب في اللوح المحفوظ، وقال الفراء: كتب بمعنى قال وقوله تعالى: ﴿أنا﴾ تأكيد ﴿ورسُلي﴾ أي: من بعث منهم بالحرب ومن بعث منهم بالحجة فإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالحرب كان أغلب وأقوى.
وقال مقاتل: قال المؤمنون لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهنّ رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله أنهم لأكثر عدداً وأشدّ بطشاً من أن تظنوا فيهم فنزل ﴿لأغلبن أنا ورسلي﴾.
ونظيره قوله تعالى: ﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وإنّ جندنا لهم الغالبون﴾ (الصافات: ١٧١ ـ ١٧٣)
(١٢/٢٦)