وعن الثوري: أنّ السلف كانوا يرون أنّ الآية نزلت فيمن يصحب السلطان ا. ه. ومدار ذلك على أنّ الإنسان يقطع رجاء من غير الله تعالى، وإن لم يكن كذلك لم يكن مخلصاً في إيمانه.
تنبيه: قدّم الآباء أوّلاً لأنهم تجب طاعتهم على أبنائهم، ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب وهم حياتها، ثم ثلث بالأخوان لأنهم هم الناصرون بمنزلة العضد من الذراع. قال الشاعر:
*أخاك أخاك إن من لا أخا له
... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
*وإن ابن عمّ المرء فاعلم جناحه
... وهل ينهض البازي بغير جناح
ثم ربع بالعشيرة لأنّ بها يستغاث وعليها يعتمد، والمعنى: أنّ الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع المحبة ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مطروحاً بسبب الدين.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجرّاح لما قتل أباه، وعمر بن الخطاب رضى الله عنه لما قتل خاله العاصي ابن هشام يوم بدر روي أنها نزلت في أبي بكر، وذلك أنّ أبا قحافة سب النبي ﷺ فصكه صكةً سقطت منها أسنانه، ثم أتى النبي ﷺ فذكر له ذلك، فقال: أو فعلت، قال: نعم، قال: لا تعد إليه، فقال: والذي بعثك بالحق نبياً لو كان السيف مني قريباً لقتلته، فهؤلاء لم يوادّوا أقاربهم.
قال القرطبي: استدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال القرطبي: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم. وعن عبد العزيز بن أبي دواد: أنه لقي المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلا الآية. وقال ﷺ «اللهمّ لا تجعل لفاجر عندي نعمة، فإني وجدت فيما أوحيت إليّ ﴿لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ الآية ﴿أولئك﴾ أي: العالو الهمة ﴿كتب﴾ أي: أثبت قاله الربيع بن أنس رضى الله عنه، وقيل: خلق، وقيل: جعل كقوله تعالى: ﴿فاكتبنا مع الشاهدين﴾ (آل عمران: ٥٣)
أي: اجعلنا، وقوله تعالى: ﴿فسأكتبها للذين يتقون﴾ (الأعراف: ١٥٦)
(١٢/٢٨)