قال ابن عباس: وكان حاطب ممن أخرج مع النبي ﷺ وفي ذلك تغليب المخاطب والإلتفات من التكلم إلى الغيبة للدلالة على ما يوجب الإيمان ﴿إن كنتم خرجتم﴾ أي: عن أوطانكم، وقوله تعالى: ﴿جهاداً في سبيلي﴾ أي: بسبب إرادتكم تسهيل طريقي التي شرعتها لعبادي أن يسلكوها ﴿وابتغاء مرضاتي﴾ أي: ولأجل تطلبكم أعظم الرغبة لرضاي علة للخروج، وعمدة للتعليق، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه لا تتخذوا. وقرأ الكسائي بالإمالة محضة، والباقون بالفتح. وقوله تعالى: ﴿تسرون﴾ أي: توجدون جميع ما يدل على مناصحتكم إياهم والتودّد ﴿إليهم بالمودّة﴾ أي: بسببها بدل من تلقون قاله ابن عطية. قال ابن عادل: ويشبه أن يكون بدل اشتمال لأنّ القاء المودّة يكون سرّاً وجهراً، أو استئناف واقتصر عليه الزمخشري ﴿وأنا﴾ أي: والحال أني ﴿أعلم﴾ أي: من كل أحد حتى من نفس الفاعل، وقرأ نافع بمدّ الألف بعد النون ﴿بما أخفيتم وما أعلنتم﴾ قال ابن عباس: بما أخفيتم قي صدوركم وما أظهرتم بألسنتكم، أي: فأي فائدة لأسراركم إن كنتم تعلمون أني عالم به، وإن كنتم تتوهمون أني لا أعلمه فهي القاصمة ﴿ومن يفعله﴾ أي: يوجد أسرار خبر إليهم ويكاتبهم ﴿منكم﴾ أي: في وقت من الأوقات ﴿فقد ضلّ﴾ أي: عمي ومال وأخطأ ﴿سواء السبيل﴾ أي: قويم الطريق الواسع الموصل إلى القصد قويمه وعدله. قال القرطبي: هذا كله معاتبة لحاطب، وهو يدل على فضله وكرامته ونصيحته لرسول الله ﷺ وصدق إيمانه فإنّ المعاتبة لا تكون إلا من محب لحبيب، كما قال القائل:

*إذا ذهب العتاب فليس ودّ ويبقى الودّ ما بقي العتاب*
وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال عند الضاد، والباقون بالإدغام.
(١٢/٨٧)


الصفحة التالية
Icon