وقال أكثر أهل التأويل: إنها محكمة، واحتجوا بأنّ أسماء بنت أبي بكر قدمت أمّها وهي مشركة عليها المدينة بهدايا، فقالت أسماء: لا أقبل منك هدية، ولا تدخلي علي بيتاً حتى أستأذن رسول الله ﷺ فسألته فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمرها رسول الله ﷺ أن تدخل منزلها، وأن تقبل هديتها وتكرمها وتحسن إليها، وفي ذلك إشارة إلى الاقتصار في العداوة والولاية، كما قال ﷺ «أحبب حبيبك هوناً مّا عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً مّا عسى أن يكون حبيبك يوماً ما» وروى عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه «أنّ أبا بكر الصدّيق رضى الله عنه طلق امرأته قتيلة في الجاهلية، وهي أمّ أسماء بنت أبي بكر فقدمت عليهم في المدّة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله ﷺ وبين كفار قريش، فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر قرطاً وأشياء، فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فأنزل الله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين﴾. ﴿ولم يخرجوكم من دياركم أن﴾ أي: لا ينهاكم عن أن ﴿تبروهم﴾ بنوع من أنواع البرّ الظاهرة، فإنّ ذلك غير صريح في قصد المودّة ﴿وتقسطوا إليهم﴾ أي: تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة قال ابن العربي: وليس يريد به من العدل، فإنّ العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل وحكي أن القاضي إسماعيل بن إسحاق دخل عليه ذمي فأكرمه فأخذ عليه الحاضرون في ذلك فتلا عليهم هذه الآية ﴿إن الله﴾ أي: الذي له الكمال كله ﴿يحب﴾ أي: يثيب ﴿المقسطين﴾ أي: الذين يزيلون الجور، ويوقعون العدل.
(١٢/٩٦)


الصفحة التالية
Icon