﴿إن الله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿يحب﴾ أي: يفعل فعل المحب مع ﴿الذين يقاتلون﴾ أي: يوقعون القتال ﴿في سبيله﴾ أي: بسبب تسهيل طريقه الموصلة إلى رضاه. وقوله تعالى: ﴿صفاً﴾ حال، أي: مصطفين حتى كأنهم في اتحاد المراد على قلب واحد كما كانوا في التساوي في الاصطفاف كالبدن الواحد ﴿كأنهم﴾ من شدة التراص والمساواة بالصدور والمناكب والثبات في المركز ﴿بنيان﴾ وزاد في التأكيد بقوله تعالى: ﴿مرصوص﴾ أي: ملزوق بعض إلى بعض ثابت كثبوت البناء.
وقال ابن عباس: يوضع الحجر على الحجر، ثم يرص بأحجار صغار، ثم يوضع اللبن عليه فيسميه أهل مكة المرصوص. وقال الرازي: يجوز أن يكون المعنى على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم، حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وموالاة بعضهم بعضاً كالبنيان المرصوص قال القرطبي: استدل بعضهم بهذه الآية على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس، لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. قال المهدوي: وذلك غير مستقيم لما جاء في فضل الفارس من الأجر والغنيمة، ولا يخرج الفرسان من معنى الآية لأن معناها الثبات، ولهذا يحرم الخروج من الصف إن قاومناهم إلا متحرفاً لقتال، كمن ينصرف ليكمن في موضع ويهجم، أو ينصرف من مضيق ليتبعه العدو إلى متسع سهل للقتال، أو متحيز إلى فئة يستنجد بها ولو بعيدة قليلة أو كثيرة، فيجوز انصرافه لقوله تعالى: ﴿إلا متحرفاً لقتال﴾ (الأنفال: ١٦)
وتجوز المبارزة لكافر لم يطلبها بلا كره، وندب لقوي أذن له الإمام أو نائبه لإقراره ﷺ عليها، وهي ظهور اثنين من الصفين للقتال، من البروز وهو الظهور، فإن طلبها كافر سنت للقوي المأذون له للأمر بها في خبر أبي داود، ولإن تركها حينئذ إضعافاً لنا وتقوية لهم، وإلا كرهت
ولما ذكر تعالى الجهاد ذكر قصة موسى وعيسى عليهما السلام تسلية لنبيه ﷺ ليصبر على أذى قومه، مبتدئاً بقصة موسى عليه السلام لتقدمه فقال تعالى:
(١٢/١١٩)