فإن قيل: كيف جاز انتصاب أنثى حالاً من الضمير في وضعتها وهو كقوله وضعت الأنثى أنثى؟ أجيب: بأنّ الأصل وضعته أنثى وإنما أنث لتأنيث الحال؛ لأنّ الحال وصاحبها بالذات واحد وأما على تأويل النفس أو النسمة فهو ظاهر كأنها قالت: إني وضعت النفس أو النسمة أنثى ﴿وا أعلم﴾ أي: عالم ﴿بما وضعت﴾ قرأ ابن عامر وشعبة بسكون العين وضم التاء فيكون من كلامها قالته تسلية لنفسها أي: ولعل لله فيه سرّاً وحكمة ولعلّ هذه الأنثى خير من الذكر، وقرأ الباقون بفتح العين وسكون التاء فيكون من كلام الله تعالى تعظيماً لموضوعها وتجهيلاً لها بقدر ما وهب لها منه ومعناه والله أعلم بالأنثى التي وضعت وما علق به من عظائم الأمور وأن يجعلها وولدها آية للعالمين وهي جاهلة بذلك لا تعلم منه شيئاً فلذلك تحسرت. وقرأ أبو عمرو والله أعلم بسكون الميم وإخفائها عند الباء بخلاف عنه، والباقون بالإظهار وقوله تعالى: ﴿وليس الذكر كالأنثى﴾ بيان لما في قوله: ﴿وا أعلم بما وضعت﴾ من التعظيم للموضوع والرفع منه ومعناه وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها واللام فيهما للعهد أمّا معهود لام الأنثى ففي قولها إني وضعتها أنثى وأمّا معهود لام الذكر ففي قولها محرّراً ويجوز أن يكون معنى قولها وليس الذكر كالأنثى أي: وليس الذكر والأنثى سيين فيما نذرت لما يعتري الأنثى من الحيض والنفاس فتكون اللام للجنس وقوله تعالى: ﴿وإني سميتها مريم﴾ عطف على ﴿إني وضعتها أنثى﴾ وما بينهما جملتان معترضتان كقوله تعالى: ﴿وإنه لقسم لو تعلمون عظيم﴾ (الواقعة، ٧٦) وإنما ذكرت ذلك لربها تقرّباً إليه وطلباً؛ لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقاً لاسمها فإنّ مريم في لغتهم بمعنى العابدة.
(٢/٣)


الصفحة التالية
Icon