ثم بين سبحانه تلك التجارة بقوله تعالى: ﴿تؤمنون﴾ أي: تدومون على الإيمان ﴿بالله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال، وعلى هذا فلا ينافي ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ وقيل: المراد من هذه الآية المنافقون وهم الذين آمنوا في الظاهر، وقيل: أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة ﴿ورسوله﴾ الذي تصديقه آية الإذعان للعبودية ﴿وتجاهدون﴾ بياناً لصحة إيمانكم على سبيل التجديد والاستمرار ﴿في سبيل الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي لا أمر لغيره ﴿بأموالكم وأنفسكم﴾ وقدم الأموال لعزتها في ذلك الزمان، ولأنها قوام الأنفس فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه، لأن المال قوامها. وقال القرطبي: ذكر الأموال أولاً لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق ﴿ذلكم﴾ أي: الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد ﴿خير لكم﴾ أي: من أموالكم وأنفسكم ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أي: إن كان يمكن أن يتجدد لكم علم في وقت فأنتم تعلمون أن ذلك خير لكم، فإذا علمتم أنه خير أقبلتم عليه فكان لكم به أمر عظيم، وإن كانت قلوبكم قد طمست طمساً لا رجاء لصلاحه فصلوا على أنفسكم صلاة الموت.
وقوله تعالى: ﴿يغفر لكم﴾ فيه أوجه:
أحدها: أنه مجزوم على جواب الخبر بمعنى الأمر، أي: آمنوا وجاهدوا.
والثاني: أنه مجزوم في جواب الاستفهام، كما قاله الفراء.
(١٢/١٢٩)