والثالث: أنه مجزوم بشرط مقدر، أي: إن تؤمنوا يغفر لكم. قال القرطبي: وأدغم بعضهم فقرأ يغفر لكم، والأحسن ترك الإدغام فإن الراء متكرر قوي فلا يحسن الإدغام في اللام، لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ا. ه. وتقدم في آخر سورة البقرة مثل ذلك للزمخشري والبيضاوي ورد عليهما ﴿ذنوبكم﴾ أي: يمحو أعيانها وآثارها كلها ﴿ويدخلكم﴾ أي: بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم ﴿جنات﴾ أي: بساتين ﴿تجري من تحتها﴾ أي: من تحت أشجارها وغرفها وكل منتزه فيها ﴿الأنهار﴾ فهي لا تزال غضة زهراء لم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لإغناء ما بعده عنه، ودل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله في صيغة منتهى الجموع ﴿ومساكن طيبة﴾ روى الحسن قال: «سألت عمران بن حصين، وأبا هريرة عن قوله تعالى: ﴿ومساكن طيبة﴾ فقالا: على الخبير سقطت سألنا رسول الله ﷺ عنها فقال: «قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً، في كل سرير سبعون فراشاً من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة فيعطي الله تعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله» ﴿في جنات عدن﴾ أي: بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له، قال حمزة الكرماني في كتابه «جوامع التفسير»: هي أي جنات عدن قصبة الجنان ومدينة الجنة أقربها إلى العرش ﴿ذلك﴾ أي: الأمر العظيم جداً ﴿الفوز العظيم﴾ أي: السعادة الدائمة الكبيرة، وأصل الفوز الظفر بالمطلوب.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم في الآخرة بشرهم بنعمته في الدنيا.
(١٢/١٣٠)


الصفحة التالية
Icon