﴿ذلك﴾ أي: الأمر العظيم من الوبال الدال قطعاً على أن الكفر أبطل الباطل وأنه مما يغضب الخالق ﴿بأنه﴾ أي: بسبب أن الشان العظيم البالغ في الفظاعة ﴿كانت تأتيهم﴾ على عادة مستمرة ﴿رسلهم﴾ أي: رسل الله الذين أرسلهم إليهم ﴿بالبينات﴾ أي: الحجج الظاهرات على الإيمان ﴿فقالوا﴾ أي: الكل لرسلهم منكرين غاية الإنكار تكبراً، وقولهم: ﴿أبشر يهدوننا﴾ يجوز أن يرتفع بشر على الفاعلية ويكون من الاشتغال، وهو الأرجح لأن الأداة تطلب الفعل، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبر، وجمع الضمير في يهدوننا؛ إذ البشر اسم جنس، وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع فيكون اسماً للجنس، وقد يأتي الجمع بمعنى الواحد كقوله تعالى: ﴿ما هذا بشراً﴾ (يوسف: ٣١)
فأنكروا على الملك الأعظم إرساله لهم ﴿فكفروا﴾ أي: بهذا القول؛ إذ قالوه استصغاراً ولم يعلموا أن الله يبعث من يشاء إلى عباده ﴿وتولوا﴾ عن الإيمان.
(١٢/١٨١)
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿فكفروا﴾ تعميم يفهم منه التولي فما الحاجة إلى ذكره؟ أجيب: بأنهم كفروا وقالوا: ﴿أبشر يهدوننا﴾ وهذا في معنى الإنكار والإعراض بالكلية، وهذا هو التولي فكأنهم كفروا وقالوا قولاً يدل على التولي، فلهذا قال: ﴿فكفروا وتولوا﴾، وقيل: كفروا بالرسل وتولوا بالبرهان، وأعرضوا عن الإيمان والموعظة.
ونبه بقوله تعالى: ﴿واستغنى الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه على أن هذا إنما هو لمصالح الخلق فهو غني عن كل شيء.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿وتولوا واستغنى الله﴾ يوهم وجود التولي والاستغناء معاً، والله تعالى لم يزل غنياً؟ أجيب: بأن معناه وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان، ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك ﴿والله﴾ أي: المستجمع الصفات الكمال ﴿غني﴾ عن خلقه ﴿حميد﴾ أي: محمود في أفعاله.


الصفحة التالية
Icon