ولما ذكر الأحكام والمواعظ والترغيب لمن أطاع حذر من خالف بقوله تعالى:
(١٢/٢١٧)
﴿وكأين﴾ هي كاف الجر دخلت على أيّ بمعنى: كم ﴿من قرية﴾ أي: وكثير من القرى. وقرأ ابن كثير بالألف بعد الكاف وبعد الألف همزة مكسورة وقفاً ووصلاً، وقرأ الباقون في الوصل بهمزة مفتوحة بعد الكاف وبعد الهاء ياء تحتية مكسورة مشددة، وعبر عن أهل القرية بها مبالغة فقال: ﴿عتت﴾ أي: استكبرت وجاوزت الحد في عصيانها وطغيانها فأعرضت عناداً ﴿عن أمر ربها﴾ أي: الذي أحسن إليها ولا يحسن إليها غيره ﴿ورسله﴾ فلم تقبل منهم ما جاؤوا به عن الله تعالى، فإن طاعتهم من طاعته ﴿فحاسبناها﴾ أي: في الآخرة وإن لم تجيء لتحقق وقوعها ﴿حساباً شديداً﴾ أي: بالمناقشة والاستقصاء ﴿وعذبناها عذاباً نكراً﴾ أي: منكراً فظيعاً، وهو عذاب النار، وقيل: العذاب في الدنيا فيكون على حقيقته، أي: جازيناها بالعذاب في الدنيا، وعذبناها عذاباً نكراً في الآخرة، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، أي: فعذبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقحط، والسيف، والخسف والمسخ، وسائر المصائب، وحاسبناها حساباً شديداً في الآخرة. وقرأ نافع وابن ذكوان وشعبه بضم الكاف، والباقون بسكونها.
﴿فذاقت﴾ أي: فتسبب عن ذلك أنها ذاقت ﴿وبال﴾ أي: عقوبة ﴿أمرها﴾ أي: كفرها.
﴿وكان عاقبة أمرها خسراً﴾ أي: في الدنيا بالأسر وضرب الجزية، وغير ذلك، وفي الآخرة بعذاب النار، فإن من زرع الشوك كما قال القشيري لا يجني الورد، ومن أضاع حق الله تعالى لا يطاع في حظ نفسه، ومن احترف بمخالفة أمر الله تعالى فليصبر على عقوبته.
ثم استأنف الجواب عمن يقول هل لها غير هذا في غير هذه الدار بقوله تعالى:
(١٢/٢١٩)