﴿و﴾ اذكر ﴿إذ قالت الملائكة﴾ أي: جبريل قال لها شفاهاً: ﴿يا مريم إنّ الله اصطفاك﴾ أي: اختارك بأن تقبلك من أمّك ولم يقبل قبلك أنثى وفرغك للعبادة وأغناك برزق الجنة عن الكسب وتكليمه لها شفاها كرامة لها. وقيل: كان معجزة لزكريا، وقيل: كان إرهاصاً أي: تأسيساً لنبوّة عيسى ﷺ بطريق الخوارق قبل البعثة كإظلال الغمام لنبينا ﷺ قبل البعثة بطريق الشام وإنما حمل على هذا التأويل؛ لأنها ليست بنبية على الأصح بل حكى البيضاويّ الإجماع على أنه تعالى لم ينبىء امرأة لقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً﴾ (الأنبياء، ٧) لكن نوزع في دعوى الإجماع؛ لأنّ الخلاف ثابت في نبوّة نسوة خصوصاً مريم إذ القول بنبوّتها مشهور ﴿وطهرك﴾ أي: مسيس الرجال ومما يستقذر من النساء ﴿واصطفاك﴾ ثانياً ﴿على نساء العالمين﴾ بهدايتك وإرسال الملائكة إليك وتخصيصك بالكرامات السنية كالولد من غير أب ولم يكن لأحد من النساء.
فائدة: أفضل نساء العالمين مريم كما في الآية إذ قيل بنوّتها ثم فاطمة بنت رسول الله ﷺ ثم خديجة أمّها ثم عائشة ثم آسية امرأة فرعون.
فإن قيل: روى الطبرانيّ: «خير نساء العالمين مريم بنت عمران ثم خديجة بنت خويلد ثم فاطمة بنت محمد ﷺ ثم آسية امرأة فرعون» أجيب: بأنّ خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة لا باعتبار السيادة.
﴿يا مريم اقنتي لربك﴾ أي: أطيعيه ﴿واسجدي واركعي مع الراكعين﴾ أي: وصلي مع المصلين في الجماعة أو وانظمي نفسك في جملة المصلين وكوني معهم في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم.
فإن قيل: لم قدم السجود على الركوع؟ أجيب: باحتمال أنه كان كذلك في تلك الشريعة وقيل: بل كان السجود قبل الركوع في الشرائع كلها أو للتنبيه على أنّ الواو لا تقتضي الترتيب.
(٢/١٣)


الصفحة التالية
Icon