﴿ذلك﴾ أي: ما قصصناه عليك يا محمد من حديث زكريا ويحيى ومريم وعيسى ﴿من أنباء الغيب نوحيه إليك﴾ أي: من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي ﴿وما كنت لديهم﴾ أي: عندهم ﴿إذ يلقون أقلامهم﴾ في الماء أي: سهامهم التي طرحوها فيه وعليها علامة على القرعة وقيل: هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة اختاروها للقرعة تبركاً بها ليعلموا ﴿أيهم يكفل مريم﴾ أي: يحضنها ويربيها، فأيّ متعلق بمحذوف كما علم من التقدير ﴿وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي.
فإن قيل: لم نفيت المشاهدة وانتفاؤها معلوم من غير شبهة وترك نفي استماع الأنباء من حفاظها وهو موهوم؟ أجيب: بأنه كان معلوماً عندهم علماً يقيناً أنه ليس من أهل السماع والقراءة وكانوا منكرين للوحي مع علمهم بأنه لا سماع له ولا قراءة ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وما كنت بجانب الغربيّ﴾ (القصص، ٤٤) ﴿وما كنت بجانب الطور﴾ (القصص، ٢٦) ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم﴾ (يوسف، ١٠٢) واذكر.
﴿إذ قالت الملائكة﴾ أي: جبريل ﴿يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه﴾ أي: بابن ﴿اسمه المسيح عيسى بن مريم﴾ وإنما خاطبها بنسبته إليها تنبيهاً على أنها تلده بلا أب إذ عادة الأبناء نسبتهم إلى آبائهم لا إلى أمهاتهم وبنسبته إليها فضلت واصطفيت على نساء العالمين.
(٢/١٤)