﴿قالت ربّ﴾ أي: يا سيدي فقولها لله عز وجلّ وقيل: قالته لجبريل قاله البغويّ وقال الزمخشري: ومن بدع التفاسير أن قولها رب نداء لجبريل بمعنى يا سيدي ﴿أنى﴾ أي: كيف ﴿يكون لي ولد ولم يمسسني بشر﴾ أي: ولم يصبني رجل بتزوّج ولا غيره، قالت ذلك تعجباً إذ لم تكن جرت العادة بأن يولد مولود بلا أب أو استفهاماً عن أن يكون بتزوّج أو بغيره ﴿قال﴾ الأمر ﴿كذلك﴾ من خلق ولد منك بلا أب ﴿الله يخلق ما يشاء﴾ القائل جبريل أو الله وجبريل حكى لها وقوله تعالى ﴿إذا قضى أمراً﴾ أي: أراد كون شيء ﴿فإنما يقول له كن﴾ صر وقرأ ﴿فيكون﴾ ابن عامر بفتح النون، والباقون بضمها أي: فهو يكون؛ لأنه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرّجاً بأسباب وموادّ يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك، فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه هناك وقوله تعالى:
﴿ونعلمه الكتاب﴾ أي: الكتابة ﴿والحكمة﴾ أي: العلم المقترن بالعمل ﴿والتوراة والإنجيل﴾ كلام مستأنف ذكر تطييباً لقلبها وإزاحة لما همها من خوف اللوم حين علمت أنها تلد من غير زوج وقيل: المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة وخص الكتابان لفضلهما، وقرأ نافع وعاصم بالياء والباقون بالنون.
﴿و﴾ نجعله ﴿رسولاً إلى بني إسرائيل﴾ إما في الصبا أو بعد البلوغ وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثه إليهم وللردّ على من زعم أنه مبعوث إلى غيره.
فائدة: كان أوّل أنبياء بني إسرائيل يوسف بن يعقوب وآخرهم عيسى عليهم الصلاة والسلام، ولما بعث إليهم قال لهم: إني رسول الله إليكم ﴿أني﴾ أي: بأني ﴿قد جئتكم بآية﴾ أي: علامة ﴿من ربكم﴾ تصدّق قولي، وإنما قال بآية وقد أتى بآيات؛ لأنّ الكل دل على شيء واحد وهو صدقه في الرسالة.
(٢/١٨)