﴿قل﴾ أي: يا أشرف الخلق وأشفقهم عليهم مذكراً لهم بما رفع عنهم الملك من المفسدات وجمع لهم من المصلحات ليرجعوا إليه، ولا يعولوا في حال من أحوالهم إلا عليه ﴿هو﴾ أي: الذي شرفكم بهذا الذكر وبين لكم هذا البيان ﴿الذي أنشأكم﴾ أي: أوجدكم ودرجكم في مدارج التربية حيث طوركم في الأطوار المختلفة في الرحم، ويسر لكم بعد الخروج اللبن حيث كانت المعدة ضعيفة عن أكثف منه ﴿وجعل لكم السمع﴾ أي: لتسمعوا ما تعقله قلوبكم فيهديكم، ووحده لقلة التفاوت فيه ليظهر سر تصرفه سبحانه في القلوب بغاية المفاوتة مع أنه أعظم الطرق الموصلة للمعاني إليها ﴿والأبصار﴾ لتنظروا صنائعه فتعتبروا وتزدجروا عما يرديكم ﴿والأفئدة﴾ أي: القلوب التي جعلها سبحانه في غاية التوقد بالإدراك لما لا يدركه بقية الحيوان لتتفكروا فتقبلوا على ما يعليكم، وجمعهما لكثرة التفاوت في نور الأبصار وإدراك الأفئدة. ﴿قليلاً ما تشكرون﴾ أي: باستعمالها فيما خلقت لأجله، وما مزيدة والجملة مستأنفة مخبرة بقلة شكرهم جداً على هذه النعم، وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان وأعلاهم في العرفان.
﴿قل هو﴾ أي: وحده ﴿الذي ذرأكم﴾ أي: خلقكم وبثكم ونشركم وكثركم وأنشأكم بعدما كنتم كالذر أطفالاً ضعفاء ﴿في الأرض﴾ التي تقدم أنه ذللها لكم ورزقكم منها النبات وغيره ﴿وإليه﴾ أي: وحده بعد موتكم ﴿تحشرون﴾ شيئاً فشيئاً إلى البرزخ ودفعة واحدة يوم البعث للحساب فيجازى كلاً بعمله.
﴿ويقولون﴾ أي: يجددون هذا القول تجديداً مستمراً استهزاء وتكذيباً ﴿متى هذا﴾ وزادوا في الاستهزاء بقولهم ﴿الوعد﴾ أي: يوم القيامة والعذاب الذي توعدوننا به ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي: في أنه لابدّ لنا منه وأنكم مقربون عند الله، فلو كان لهم ثبات الصبر لما كانوا طاشوا هذا الطيش بإبراز هذا القول القبيح.
(١٣/٦٠)


الصفحة التالية
Icon