﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك ما كان عند أنفسهم في غاية القدرة عليه والثقة به مع الاستحسان لفعلهم والاستصواب، وهددنا به أهل مكة فلم يبادروا إلى المتاب. ﴿العذاب﴾ أي: الذي نحذرهم منه ونخوفهم به في الدنيا، فإذا تم الأجل الذي قدرناه له أخذناهم به غير مستعجلين ولا مفرطين لأنه لا يعجل إلا ناقص يخاف الفوت ﴿ولعذاب الآخرة﴾ أي: الذي يكون فيها للعصاة ﴿أكبر﴾ أي: من كل ما يتوهمون ﴿لو كانوا﴾ أي: الكفار ﴿يعلمون﴾ أي: لو كان لهم علم بشيء من غرائزهم في وقت من الأوقات لرجعوا عما هم فيه.
ولما ذكر ما لأهل الجمود الذين لا يجوزون الممكنات ذكر تعالى أضدادهم، فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم:
﴿إن للمتقين﴾ أي: العريقين في صفة التقوى ﴿عند ربهم﴾ أي: المحسن إليهم في موضع دوم أولئك وجنة آمالهم ﴿جنات﴾ جمع جنة وهي لغة: البستان الجامع، وفي عرف الشرع: مكان اجتمع فيه جميع السرور وانتفى عنه جميع الشرور ﴿النعيم﴾ أي: جنات ليس فيها إلا النعيم الخالص لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين: إن الله تعالى فضلنا عليكم في الدنيا، فلا بدّ وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل فلا أقل من المساواة فأجابهم الله تعالى بقوله سبحانه:
﴿أفنجعل المسلمين﴾ أي: الذين هم عريقون في الانقياد لأوامرنا والصلة لما أمرنا بوصله طلباً لمرضاتنا، فلا اختيار لهم معنا في نفس ولا غيرها لحسن جبلاتهم ﴿كالمجرمين﴾ أي: الراسخين في قطع ما أمرنا به أن يوصل وأنتم لا تقرون بمثل هذا، ففي ذلك إنكار لقول الكفرة، فإنهم كانوا يقولون أيضاً: إن صح أننا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا، بل نكون أحسن حالاً منهم كما نحن عليه في الدنيا.
(١٣/٩٢)