وقوله تعالى: ﴿إذ﴾ منصوب بمضاف محذوف، أي: ولا يكن حالك كحاله أو قصتك حين ﴿نادى﴾ أي: ربه في الظلمات من بطن الحوت وظلمة ما يحيط به من الجثة وظلمة اللجج ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصبّ عليها النهي إنما ينصب على أحوالها وصفاتها، وقوله تعالى: ﴿وهو مكظوم﴾ جملة حالية من الضمير من نادى والمكظوم الممتلئ حزناً أو غيظاً، ومنه كظم السقاء إذا ملأه، قال ذو الرمة:

*وأنت من حب ميّ مضمر حزناً غالي الفؤاد قريح القلب مكظوم*
وقال القرطبي: ومعنى وهو مكظوم، أي: مملوء غماً. وقيل: كرباً فالأول قول ابن عباس ومجاهد، والثاني: قول عطاء وأبي مالك. قال الماوردي: والفرق بينهما أن الغم في القلب والكرب في الأنفاس. وقيل: مكظوم: محبوس، والكظم: الحبس. ومنه قولهم: كظم غيظه، أي: حبس غضبه. والمعنى: لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة فتبلى ببلائه.
ولما تشوف السامع إلى ما كان من أمره بعد هذا الأمر العجيب قال تعالى: ﴿لولا أن تداركه﴾ أي: أدركه إدراكاً عظيماً ﴿نعمة﴾ أي: عظيمة جداً.
تنبيه: حسن تذكير الفعل لفصل الضمير في تداركه.
﴿من ربه﴾ أي: الذي أحسن إليه بإرساله وتهذيبه للرسالة والتوبة عليه والرحمة. وقال الضحاك: النعمة هنا النبوة، وقال ابن جبير: عبادته التي سلفت، وقال ابن زيد: نداؤه بقوله:
(١٣/١٠٠)


الصفحة التالية
Icon